للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{مَقامٌ مَعْلُومٌ} في العبادة والانتهاء إلى أمر الله؛ كما قيل في صفتهم: منهم راكع لا يقيم صلبه، وساجد لا يرفع رأسه. {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} نصف أقدامنا في الهواء وأجنحتنا في السماء والأرض ننتظر ما نؤمر به. وقيل: إن المسلمين إنما اصطفوا في الصلاة من حين نزلت هذه الآية، وليس أحد من الملل يصطفون في الصلاة إلا المسلمون والمسبحون: المنزهون أو المصلون. {كانُوا} (١) مشركو قريش يقولون: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ} (٢٢١ /ب)، أي:

كتابا من كتب الأولين لأخلصنا العبادة لله، ونظيره: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} (٢). {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة تكذيبهم، و {وَإِنَّ} من الثقيلة، واللام هي الفارقة. وفيه دليل على توكيد الأمر، وأنهم لا ينفكون عن طاعة الرسول إذا جاءهم. {كَلِمَتُنا} هي قوله: {إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ}. وسماها كلمة وهي كلمات؛ لأنها في نصرة بعضها بعضا كالشيء الواحد {إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} في العاقبة وغالب الأمر.

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢)}

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} فأعرض وأغمض على أذاهم. {حَتّى حِينٍ} وهي مدة الكف عن القتال.

وقيل إلى الموت. وقيل: إلى يوم بدر. {وَأَبْصِرْهُمْ} وستشاهد ما يحل بهم من النكال وعقوبة الآخرة. {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} ما يقضى لك من النصرة، والمراد بالأمر بالإبصار كأنه يشاهد الأمر على صورته وأنه كائن لا محالة. {فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ} سمي صباحا؛ لأنها أكثر ما تكون في وقت الصبح. وقيل: لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وخرجت اليهود بمساحيهم (٣) ومكاتلهم (٤) فرأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجناده فقالوا: محمد والخميس معه،


(١) هكذا في المخطوط وهي لغة مشهورة في تعرف بلغة "يتعاقبون فيكم ملائكة" وقد مرت أول سورة الأنبياء.
(٢) سورة فاطر، الآية (٤٢).
(٣) المساحي: جمع مسحاة وهي المجرفة من الحديد والميم زائدة لأنه من السحو: الكشف والإزالة.
ينظر: لسان العرب (سحا).
(٤) المكاتل: جمع مكتل بكسر الميم وهو الزبيل الكبير، قيل: إنه يسع خمسة عشر صاعا كأن فيه كتلا من التمر، أي: قطعا مجتمعة. ينظر: النهاية في غريب الأثر لابن الأثير (٤/ ١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>