للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} وأراد بالجنة الملائكة، والملائكة يسمون جنا؛ لاستتارهم عن العيون، وإنما جاء هاهنا بلفظ الجن؛ لأنه أنقص أسمائهم رتبة، والمراد في هذا المقام تنقيص قدرهم من أن يبلغوا رتبة ما ادعته قريش من نسبتهم إلى الولادة وأن يخطر ذلك ببال. {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ} يعني الشياطين منهم {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلاّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ} استثناء منقطع من المحضرين، والمعنى: لكن المخلصون ناجون ويجوز أن يقع الاستثناء من الضمير في قوله: {يَصِفُونَ} أي: سبحان الله عما وصفه الملحدون به؛ لكن ما وصفه به عباد الله المخلصون فإنه حق.

الضمير في قوله: {عَلَيْهِ} لله - تعالى - والتقدير: فإنكم ومعبوديكم {ما أَنْتُمْ} جميعا {بِفاتِنِينَ} على الله، إلا أصحاب النار {إِلاّ مَنْ هُوَ صالِ} مثلكم، أو هو كما قال الشاعر [من الوافر]:

فإنّك والكتاب إلى عليّ ... كدابغة وقد حلم الأديم (١)

وقرئ {صالِ الْجَحِيمِ} (٢) وفيه وجهان: أن يكون مرفوعا وسقطت الواو؛ لالتقاء الساكنين، وأن يكون أصله صايل، فقلبت إلى صال؛ كقولهم: شاك السلاح، أي:

شايك.

{وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣)}


(١) البيت للوليد بن عقبة بن أبي عقبة قاله ضمن أبيات يحرض فيها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما على قتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ينظر في: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (٦/ ٦١٧)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٦٥)، لسان العرب (حلم) قال ابن منظور: "والحلم بالتحريك: أن يفسد الإهاب، ويقع فيه دود فيثقب، تقول منه: حلم بالكسر. والحلمة: دودة تكون بين جلد الشاة الأعلى وجلدها الأسفل. وقيل: الحلمة دودة تقع في الجلد فتأكله فإذا دبغ وهى موضع الأكل فبقي رقيقا" وقال في معنى البيت: "يقول له: أنت تسعى في إصلاح أمر قد تم فساده كهذه المرأة التي تدبغ الأديم الحلم الذي وقعت فيه الحلمة فنقبته وأفسدته فلا ينتفع به".
(٢) قرأ جمهور القراء "صال" وصلا ووقفا، وقرأ يعقوب وقفا "صالي"، وقرأ الحسن وابن أبي عبلة "صال" بالضم. تنظر القراءة في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٣٧٩)، تفسير القرطبي (١٥/ ١٣٦)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٥١٦)، فتح القدير (٤/ ٤١٥)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٥٦)، المحتسب لابن جني (٢/ ٢٢٨)، معاني القرآن للفراء (٢/ ٣٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>