للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، يريدون الذين دخلوا في دين الإسلام، وجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك؛ فاستحضر أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا ابن أخي: هؤلاء قومك يسألونك السواء؛ فلا تمل كل الميل على قومك فقال صلى الله عليه وسلم: ماذا يسألونني؟ قالوا:

ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك؛ فقال عليه السلام: أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم، أمعطيّ أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم؟ قالوا: نعم وعشرا؛ أي: نعطيكم وعشر كلمات معها. فقال: قولوا لا إله إلا الله. فقاموا، وقالوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً} أي: بليغ في العجب (١).

وقرئ" عجّاب "بالتشديد (٢) كقوله: {مَكْراً كُبّاراً} (٣). وهو أبلغ من الخفيف، وقوله: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً} مثل قوله: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً} (٤) في كون الجعل بمعنى التصيير.

{الْمَلَأُ} أشراف قريش؛ يريد: وانطلق الملأ عن مجلس أبي طالب قائلين: {اِمْشُوا} واصبروا على عبادة آلهتكم {إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ} يريد الله عز وجل إحكامه وإمضاءه، وما أراد الله عز وجل كونه فلا مرد له، ولا ينفع فيه إلا الصبر، أو أن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر لا مرد له، أو أن دينكم شيء يراد، أي: يطلب لتغلبوا عليه ويؤخذ منكم.

و {أَنِ} بمعنى أي؛ لأن المنتقلين عن مجلس المقاولة لا ينفكون عن المجاوزة ببعض ما جرى غالبا.

{ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣)}

{فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} ملة النصارى؛ لأنها آخر الملل، وهم يعتقدون التثليث. {بَلْ لَمّا يَذُوقُوا}


(١) رواه أحمد رقم (١٩٠٤)، والترمذي رقم (٣١٥٦) وقال: حسن صحيح.
(٢) قرأ بها علي بن أبي طالب والسلمي وعيسى بن عمر وابن مقسم.
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٣٨٥)، فتح القدير (٤/ ٤٢٠)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣١٧)، المحتسب لابن جني (٢/ ٢٣٠)، معاني القرآن للفراء (٢/ ٣٩٨).
(٣) سورة نوح، الآية (٢٢).
(٤) سورة الزخرف، الآية (١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>