للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{عَذابِ} بعد، ولو ذاقوه لما قالوا ذلك. {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ} يعني: ليس عندهم تلك الخزائن، ثم أتى بأبلغ من ذلك فقال: {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} حتى يتصرفوا في اختيار الرسل، وفي الأمور العظيمة، أي: إذا كان كذلك {فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ} إلى السماوات (٢٢٣ /أ) ويدبروا أمرها، ثم انتقصهم فقال: {جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ} أي: ما هم إلاّ جند من جملة المتحزبين على الرسل وهم منهزمون؛ كقوله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (١) أي: عما قريب فلا تبال بما يقولون، ولا تكترث بما يهذون، و" ما "مزيدة في قوله: {جُنْدٌ ما} و {هُنالِكَ} إشارة إلى المكان الذي وضعوا فيه أنفسهم من الهجوم على مثل ذلك العظيم. قوله: {ذُو الْأَوْتادِ} مأخوذ من ثبات الخيمة بأوتادها، قيل: ثابت الأوتاد؛ استعير ذلك لثبات الملك وقوته؛ كما قال الشاعر [من الكامل]:

في ظلّ ملك ثابت الأوتاد (٢) ...

وقيل: كان يشبح المعذب بين أربعة سوار؛ كل طرف من طرفه إلى وتد، ثم يعاقبه فلا يستطيع عن نفسه دفعا، ويتركه حتى يموت مشبوحا (٣). وقيل: يتركه بين أربعة أوتاد ويسلط عليه الحيات والعقارب. وقيل: كانت له أوتاد وحبال وملاعب يلعب بها بين يديه {أُولئِكَ الْأَحْزابُ} إشارة إلى الأمم الذين كذبوا أنبياءهم فهلكوا؛ فذكرهم أولا بالعموم ثم خصهم واحدا واحدا فقال: نوح وعاد وفرعون وأصحاب الأيكة وغيرهم، وذلك دليل على الاعتبار بذكر تكذيبهم وعذابهم {فَحَقَّ عِقابِ}.

{إِنْ كُلٌّ إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) اِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ (١٧) إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨)}

{هؤُلاءِ} أهل مكة أو هو إشارة إلى جميع الملل المكذبة. {ما لَها مِنْ فَواقٍ} ما لها من


(١) سورة القمر، الآية (٤٥).
(٢) هذا عجز بيت للأسود بن يعفر وصدره: ولقد غنوا فيها بأفضل عيشة.
ينظر في: غريب الحديث للخطابي (١/ ٣٠١)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٧٦)، معجم البلدان (١/ ٢٧٢).
(٣) المشبوح: البعيد ما بين المنكبين. والشبح: مدك الشيء بين أوتاد أو الرجل بين شيئين، والمضروب يشبح: إذا مد للجلد. وشبحه يشبحه: مده ليجلده، وشبحه: مده كالمصلوب.
ينظر: لسان العرب (شبح).

<<  <  ج: ص:  >  >>