للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالنصب والنصب؛ كالرشد والرشد، والمعنى واحد، وهو التعب والمشقة والعذاب الأليم من المرض. وقيل: النصب في البدن، والعذاب: ذهاب الأهل والمال، ونسب المس بالنصب مع أنه ليس له قدرة إلا على الوسوسة؛ قال في موقف القيامة: {وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ} الآية (١)؛ لأن وسوسته كانت سببا في إغوائهم. وقيل:

كان الشيطان يوسوس له ويغويه بالضجر، فالتجأ إلى الله في أن يكفيه ذلك. وقيل في سبب بلائه: إنه كان له غنم في سلطنة ملك كافر؛ فداهنه ولم يغزه. وقيل: إن رجلا استغاثه على ظالم فلم يغثه. وقيل: أعجب بكثرة ماله.

{اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ} يعني: اركض الأرض برجلك. {مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ} يعني: ماء تلك العين التي نبعت فيه منفعتان؛ الغسل فيه، والشرب منه. وقيل: نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما، فذهب ما على ظاهر جسده، وشرب من الأخرى فزال ما في باطنه منه.

{رَحْمَةً مِنّا وَذِكْرى} مفعول من أجلهما؛ لأنهما رحمة عليه، وتذكير لمن عرف حاله ليصبر كما صبر.

{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ (٤٤) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (٤٨) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩)}

{وَخُذْ} معطوف على {اُرْكُضْ}. والضغث: الحزمة الصغيرة من حشيش أو ريحان، أو غير ذلك. وكان قد حلف ليضر بن امرأته مائة إذا برئ؛ فأفتاه الله تعالى بأن يضرب بالضغث امرأته؛ لأجل خدمتها لأيوب في مرضه، ورضاه عنها، وهذه الرخصة باقية في شرعنا. وعن النبي صلى الله عليه وسلم:" أنه أتي برجل كان يعبث ببعض إمائهم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ عثكالا (٢) فيه شمراخ " (٣).وكان سبب حلف أيوب أنه بعثها في حاجة فأبطأت.


(١) سورة إبراهيم، الآية (٢٢).
(٢) العثكال: هو الذي يسميه الناس الكباسة، وفيه لغتان عثكال وعثكول، وأهل المدينة يسمونه العذق بكسر العين، وأما العذق بالفتحة فالنخلة نفسها. ينظر: غريب الحديث لابن سلام (١/ ٢٩١).
(٣) رواه أحمد (٥/ ٢٢٢)، وابن ماجه رقم (٢٥٧٤) وفي سنده محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه، وبه ضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (٢/ ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>