للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} الآيات، يعني:

فرتبوا على خلاف ما يقتضيه، فاشمأزوا من ذكر الله الذي ينفعهم ولم يشمئزوا من ذكر من ضره أقرب من نفعه. قوله: {قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} فلم يغن عنهم كسبهم شيئا، وأصيبوا بالقتل يوم بدر، والقحط سبع سنين، ثم سبع سنين خصب ورخاء فقيل: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ}.

{قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ} جنوا عليها بالإسراف في المعاصي. وقرأ ابن مسعود: "الله يغفر الذّنوب جميعا" (١) وهذه الآية مطلقة في العفو كما تراه ليس فيها شرط توبة. {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} كقوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (٢) كراهة {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} فإن قلت: لم نكر النفس؟ قلت: المراد بها بعض الأنفس، وهي إما المتعالية في الكفر، وإما الفاعلة للخير؛ فللأولى العذاب العظيم، وللثانية رحمة الكريم الرحيم.

{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥٩) وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١) اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣)}

وقوله: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} ليس المراد به نفس واحدة؛ بل المراد به أنفس ذوات عدد، ومنه قول الشاعر [من البسيط]:

قد أترك القرن مصفرّا أنامله ... ... (٣)

والجنب: الجانب؛ يقال: لين الجنب ولين الجانب، قالوا: فرط في جنبه وفي جانبه؛


(١) وقرأ بها أيضا ابن عباس رضي الله عنها. تنظر في: تفسير الطبري (٢٤/ ١١)، تفسير القرطبي (١٥/ ٢٦٩)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٤٠٣)، معاني القرآن للفراء (٢/ ٤٢١).
(٢) سورة الزمر، الآية (١٨).
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة، الآية (١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>