للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الشاعر [من الطويل]:

أما تتقين الله في جنب وامق ... له كبد حري عليك تقطّع (١)

{وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ} لم يكفه أن يضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها (٢٣٣ /أ) وموضعه نصب على الحال؛ تقديره: إني فرطت وأنا ساخر.

قيل: كان في بني إسرائيل رجل له مال سول إليه الشيطان العمل بالمعاصي، وعزم أن يتوب إذا جاءه، فلما جاءه الموت تاب فلم تنفعه توبته، وأنزل الله خبره في القرآن.

فإن قيل: لم فصل بين قوله: {لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي} وبين قوله: {بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي؟}

قلت: حكى أماني النفس على ترتيبها؛ فحكى التحسر أولا، ثم تمني الهداية حيث لا ينفع التمني، ثم سؤال الرجعة حيث لا يجاب، وقوله: {بَلى} جواب لغير منفي؛ لكنه في معنى المنفي؛ فقوله: {لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي} دال على انتفاء الهدى. قوله: {تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ} وصفوه بما لا يليق بجلاله من الشريك والولد. {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} في موضع الحال إن كانت رؤية عين، ومفعول ثان إن كان من رؤية القلب. {بِمَفازَتِهِمْ} بفوزهم بما طلبوا {لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ} قيل: لا محل لهذه الجملة؛ لأنها مستأنفة.

وقيل: هي منصوبة على الحال. {لَهُ مَقالِيدُ} من باب الكناية؛ كقوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ} (٢) قيل: ليس للمقاليد مفرد. وقيل: واحدها مقليد، وهي المفاتيح. قوله:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا} تتمة؛ نحو قوله: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا} روي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هي لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" (٣).


(١) البيت لجميل بثينة أو لكثير عزة، ينظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٤٣٥)، التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم المصري (١/ ٣٦٤)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٢٠)، ديوان جميل بثينة (ص: ٧٣)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٣٠٣). ويروي:
أما تتقين الله في قلب عاشق
(٢) سورة الحجر، الآية (٢١).
(٣) نسبه السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٦٢٥) لأبي يعلى وابن السني وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.

<<  <  ج: ص:  >  >>