للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى والجبال (٢٣٣ /ب) على إصبع، ثم يهزهن ويقول: أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال الحبر " (١).وهذا يسمى في علم البيان: التخييل، وهو أن يفهم من مساق هذا الكلام تعظيم قدرة الله، وأن هذه الأجرام العظيمة مطيعة له؛ كانقياد ما هو على الإصبع من غير تصوير شيء يشبه الإصبع، ولا شيء يشبه الهز؛ كذلك لا يتصور وجود قبضة في قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ} لا حقيقة ولا مجازا بل حكاية هذا الكلام بصورة توقع في النفس إجلالا وتعظيما، وكذلك {وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ} والمراد بالأرض: الأرضون السبع، ويشهد لذلك قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً} وقوله: {وَالسَّماواتُ} وإنما قدم {جَمِيعاً} بأول وهلة قبل مجيء الخبر؛ ليعلم أنه ليس شيء من الأرض خارجا عن قبضته. والقبضة:

المرة من القبض؛ كقوله: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} (٢) والقبضة - بضم القاف -: هو الشيء المقبوض باليد، وتقول: أعطني قبضة، بالفتح؛ تسمية بالمصدر.

{مَطْوِيّاتٌ} قيل: في طاعته من غير منازع. {بِيَمِينِهِ} بقدرته. وقيل: بقسمه؛ فالله تعالى أقسم ليطوينها، وإذا عرض مثل هذا التفسير على أصحاب علم البيان تلهوا به، ولم يرفعوا به رأسا، وتراهم يجذبون عقول السامعين له ويستحسونه على منابرهم.

وقرئ" مطويات "على نظم {وَالسَّماواتُ} في حكم {وَالْأَرْضُ} ودخولها تحت القبضة ونصب" مطويات " (٣) على الحال. وقرئ {قِيامٌ يَنْظُرُونَ} (٤) يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا دهمه ما يكرهه. وقيل: ينظرون ماذا يفعل بهم، ويجوز أن يكون قوله: {فَإِذا هُمْ قِيامٌ} يريد به الوقوف في كل مكان واحد؛ كالمتحير ما يدري ماذا يصنع.

قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها} أي: بعدله؛ كما أن الظلم ظلمات، وفي الحديث:" الظلم ظلمات يوم القيامة " (٥).ولما افتتح الله الأرض بالعدل ختمها بقوله:


(١) رواه البخاري رقم (٧٤١٤، ٤٨١١)، ومسلم رقم (٢٧٨٦)، وأحمد في المسند (١/ ٤٢٩)، والترمذي رقم (٣٢٣٨)، عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(٢) سورة طه، الآية (٩٦).
(٣) قرأ بالنصب عيسى بن عمر والجحدري. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٤٤٠)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٢٤)، فتح القدير للشوكاني (٤/ ٤٧٥)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٥٧).
(٤) قرأ بها زيد بن علي. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٤٤٠)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٢٥)، فتح القدير للشوكاني (٤/ ٤٧٥)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٥٧).
(٥) رواه البخاري رقم (٢٤٤٧)، ومسلم رقم (٢٥٧٩)، والترمذي رقم (٢٠٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>