للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} قيل هو استهزاء، ولا علم عندهم، وعلمهم الذي تلاشى: زعمهم أن لا بعث وأن الأصنام تشفع لهم. وقيل: المراد علم الفلسفة، بعلم جدهم يونان. وعن سقراط: أنه سمع بموسى عليه السلام فقيل له: هاجر بنا إليه، فقال:

نحن قوم مهذبون لا حاجة بنا إلى من يهذبنا (١). وقيل: فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح استهزاء، وتنقبض لما علمه الرسل من العلم، ويدل عليه قوله: {وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} وقيل: فرح الأنبياء: ما عندهم من العلم بهلاك المكذبين وحاق بالكافرين جزاء جهلهم.

{فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥)}

و {الْبَأْسَ} العذاب الشديد؛ ومنه {بِعَذابٍ بَئِيسٍ} (٢). فإن قيل: لو قيل: فلم ينفعهم إيمانهم. هل كان يقوم مقام قوله: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ}؟

قلنا: هو مثل {كانَ *} في قوله: {ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ} (٣). والتقدير: فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم إيمانهم. فإن قلت: كيف ترادفت هذه الفاءات؟

قلت: أما قوله: {فَما أَغْنى} فهو نتيجة قوله: {كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ} وأما قوله (٢٤٠ /أ) {فَلَمّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ} فجار مجرى البيان لقوله: {فَما أَغْنى عَنْهُمْ} كقولك:

رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن إلى الفقراء. وقوله: {فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا} تابع لقوله:

{فَلَمّا جاءَتْهُمْ} كأنه قال: كفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا. {سُنَّتَ اللهِ} مصدر مؤكد؛ ك‍ {وَعْدَ اللهِ} (٤) و {صِبْغَةَ اللهِ} (٥) و {فِطْرَتَ اللهِ} (٦) و {هُنالِكَ} اسم مكان مستعار للزمان؛ أي: خسروا في ذلك الزمان، وهو وقت قيام الساعة، وكذلك قوله: {وَخَسِرَ هُنالِكَ} بعد قوله: {فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ} أي: خسروا وقت مجيء أمر الله، أو:

وقت القضاء بالحق.


(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ١٨٢).
(٢) سورة الأعراف، الآية (١٦٥).
(٣) سورة مريم، الآية (٣٥).
(٤) سورة الروم، الآية (٦).
(٥) سورة البقرة، الآية (١٣٨).
(٦) سورة الروم، الآية (٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>