للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧)}

{مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ} هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى دين الحق. وقيل: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: هي عامة في كل من جمع هذه الأوصاف الثلاثة. {وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (٢٤٢ /ب) يعني: اعتقد ذلك.

يعني أن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما؛ فإذا وجدت حسنتين إحداهما أعظم أثرا فاختر ما هو أعظم أثرا، ومثاله: رجل أساء إليك فالحسن أن تعفو عنه، والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته، وأحسن منه ألا تترك وجها من وجوه الإحسان إلا تفعله معه فإذا فعلت انقلب العدو المبين صديقا، ثم قال: وما يلقى هذه الخصلة {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} على جهاد النفس وإلا رجل له حظ عظيم من الخير. وقيل: {وَلا} مزيدة والمعنى: ولا تستوي الحسنة والسيئة. وقيل: {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عن الإساءة. وقيل: نزلت في أبي سفيان بن حرب، وكان عدوا للنبي صلى الله عليه وسلم فصار صديقا موافيا (١).

النزغ والنسغ: هما متساويان بمعنى النخس، والشيطان يبعث على المعصية كما تبعث الدابة بالنخس، وجعل النزغ نازغا؛ كقوله: جدّ جدّه، جعل الجدّ جادّا، والمعنى: إن صرفك الشيطان عن مقابلة السيئة بالحسنة فاستعذ بالله من شره. والضمير في {خَلَقَهُنَّ} لليل والنهار والشمس والقمر وموضع السجدة عند الشافعي: {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} لأن الكلام تم عندها. وقال قوم: موضع السجدة عند قوله: {إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ} لأنها الآية التي فيها السجود، واحتج عليه الشافعي بآية النحل، وهو قوله: {وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ} (٢) وبقوله في النمل: {اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (٣) السجود عند تمام الكلام في هذه المواضع (٤). وكان قوم من الكفار يسجدون للشمس والقمر ويعتقدون


(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٢٠٠).
(٢) سورة النحل الآية (٥٠).
(٣) الآية (٢٦).
(٤) ينظر: الأم للشافعي (١/ ٢٤٢)، البحر الرائق لزين بن إبراهيم (٢/ ١٣٠)، حاشية ابن عابدين (٢/ ١٠٤)، مغني المحتاج للشربيني (١/ ٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>