للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرئ {تَكادُ} بالتاء والياء (١) و {يَتَفَطَّرْنَ} و (تنفطرن) (٢) فجمع بين علامتي تأنيث؛ تاء المضارعة، ونون {يَتَفَطَّرْنَ} ومثله: الإبل تتشممن، ومعناه: يكدن يتفطرن من علوّ شأن الله تعالى وعظمته، يدل عليه مجيئه بعد {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} وقيل: من دعائهم له ولدا؛ كقوله: {تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} (٣) فإن قلت لم قال: {مِنْ فَوْقِهِنَّ؟}

قلت: لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال (٢٤٤ /أ) والعظمة فوق السماوات وهي العرش والكرسي وصفوف الملائكة المرتجّة بالتسبيح والتقديس حول العرش وما لا يعلم كنهه إلا الله عز وجل من آثار ملكوته العظمى، فلذلك قال: {يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} أي:

يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية، أو لأن كلمة الكفر جاءت من الذين تحت السماوات فكان القياس أن يقال: من تحتهن؛ من الجهة التي منها جاءت الكلمة، ولكنه بولغ في ذلك، فجعلت مؤثرة في جهة الفوق، كأنه قيل: يكدن يتفطرن من الجهة التي فوقهنّ دع الجهة التي تحتهنّ، ونظيره في المبالغة قوله عزّ وجلّ: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ} (٤) فجعل الحميم مؤثرا في أجزائهم الباطنة.

وقيل: {مِنْ فَوْقِهِنَّ} من فوق الأرضين. فإن قلت: كيف صحّ أن يستغفروا لمن في الأرض، وفيهم الكفار وأعداء الله؟ وقد قال الله - تعالى -: {أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ} (٥) فكيف يكونون لاعنين مستغفرين؟ قلت: قوله: {لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} يدل


(١) قرأ نافع والكسائي "يكاد"، وقرأ بقية العشرة "تكاد".
تنظر القراءات في: تفسير القرطبي (١٦/ ٤)، الحجة لابن خالويه (ص: ٣١٨)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٦٤٠)، الدر المصون للسمين الحلبي (٤/ ٥٢٨)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٥٨٠)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٢٠٨)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣١٩).
(٢) قرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم "ينفطرن" وقرأ الباقون "يتفطرن" ورويت قراءة "تنفطرن" عن يونس عن أبي عمرو. قال السمين في الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٧٤) وقال ابن خالويه: وهذا حرف نادر؛ لأن العرب لا تجمع بين علامتي تأنيث.
وفي الآية (٩٠) من سورة مريم تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ قرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة "ينفطرن"، وقرأ الباقون "يتفطرن".
ينظر: الدر المصون للسمين الحلبي (٤/ ٥٢٨)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٢٠٨).
(٣) سورة مريم، الآية (٩٠).
(٤) سورة الحج، الآية (٢٠، ١٩).
(٥) سورة البقرة، الآية (١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>