للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالرفع والنصب (١) فمن قرأ {فَرِيقٌ} بالرفع فهو مبتدأ والخبر في المجرور، ومن قرأ بالنصب نصبه على الحال، وقد وصفهم في الآية بالاجتماع بقوله: {يَوْمَ الْجَمْعِ} ووصفهم بالتفرق عند استقرارهم في داري السعادة والشقاوة.

{لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً} أي: لو شاء مشيئة اختيار، ولكنه شاء ضلالهم، قال: {مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} (٢) ومعنى الاستفهام في قوله: {أَمِ} الإنكار.

{فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ} وهو وحده قادر على إحياء الموتى خلاف ما دعوه من الأصنام إلها. {وَهُوَ عَلى كُلِّ} ممكن {قَدِيرٌ،} {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ} أنتم والكفار في شيء من أمور الديانات فعلمه مفوض إلى الله وحده. وقيل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ} فتحاكموا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تحكموا فيه غيره. وقيل: وما اختلفتم فيه من معاني القرآن فاعرضوه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فما وافق ذلك فهو الحق. وقيل: وما اختلفتم فيه من علم لا يطلع عليه العباد فقولوا: الله أعلم، وذلك كمعرفة الروح. {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الآية (٣). ولا يجوز حمله على الخلاف في الفقهيات؛ لأن الاجتهاد لا يجوز بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

{فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣)}

{جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} من جنسكم {أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ} أي: من أنفسها {أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ} ينثركم {فِيهِ} في هذا التدبير. {لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} له مفاتيح خزائنها، وهو من باب التمثيل؛ شبه بمن سلمت له مفاتيح ملك فهو يتصرف فيه. {وَيَقْدِرُ}


(١) قرأ جمهور القراء "فريق" وقرأ زيد بن علي "فريقا".
تنظر القراءات في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٥٠٩)، تفسير القرطبي (١٦/ ٦)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٧٥)، فتح القدير للشوكاني (٤/ ٥٢٧)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٤٦١).
(٢) سورة الأنعام، الآية (٣٩).
(٣) سورة الإسراء، الآية (٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>