للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكبر، أي: لتكبروا فيها. وقيل: نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الدنيا والغنى (١). وقال خباب بن الأرت: فينا أنزلت؛ نظرنا إلى أموال الكفار وسعتها وتقلباتهم فيها فتمنيناها فنزلت (٢).

{بِقَدَرٍ} أي: بمقدار معين، ولو أغنى الناس كلهم لبغوا ولو أفقرهم لهلكوا وهو أعلم بمصالحهم. فإن قلت: قد نرى الظالم مستمرّا على ظلمه إلى الموت، ونرى المظلوم مستمرّا على الاستضعاف؟ قلنا: لا شبهة في أن البغي مع الغنى أكثر، فلو أغنى الكل لكثر البطر، وغلب الفساد. {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} وهي آثار المطر من الخصب وسعة الأرزاق.

وعن عمر: أنه قيل له: قحط الناس وقنطوا، فقال: الآن تمطرون، وتلا هذه الآية (٣).

ويجوز أن يشير بالرحمة إلى جميع أنواعها.

{الْوَلِيُّ} يتولى عباده {الْحَمِيدُ} في السماوات والأرض. {وَما بَثَّ} يجوز أن يكون مرفوعا ومجرورا. فإن قلت: {وَما بَثَّ فِيهِما} يوجب أن يكون في السماء دواب وليس كذلك؟ قلت: يجوز نسبة الشيء إلى الشيء وهو لبعضه، ومنه قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} (٤) وإنما يخرجان من الملح دون العذب، ويجوز أن تكون الملائكة تمشي مع الطيران؛ فوصفوا بالدبيب.

{وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥)}

{وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} فما يؤاخذ به. وعن علي رضي الله عنه: "من عفا الله عنه في الدنيا عفا الله عنه في الآخرة" ورواه مرفوعا بعضهم (٥). وعنه: "هذه أرجى آية في القرآن" (٦).


(١) رواه الطبري في تفسيره (٢٥/ ٣٠)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (٢/ ٤٨٣) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٢٢٣).
(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٧٠٥) ونسبه لعبد بن حميد وابن جرير الطبري وابن المنذر.
(٤) سورة الرحمن، الآية (٢٢).
(٥) رواه الترمذي رقم (٣٢٥٢)، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٧٠٥) لأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي رقم (٦٤٠).
(٦) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٧٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>