للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا ليس بحد الكلام ولا وجهه، إلا أنه بالجزاء صار أقوى قليلا؛ لأنه ليس بواجب أن يفعل إلا أن يكون من الأول فعل، فلما ضارع الذي لا يوجبه؛ كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه، ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد في الكلام، ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه، وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة، فإن قلت: كيف وجه المعنى إذا جزمت {وَيَعْلَمَ؟} قلت: كأنه قال: أو إن يشأ يجمع بين أمور ثلاثة؛ هلاك قوم ونجاة قوم وتحذير آخرين.

{مِنْ مَحِيصٍ} من مخلص ولا ملجأ.

{فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨)}

{فَما أُوتِيتُمْ} ضمنت "ما" معنى الشرط؛ فدخلت الفاء لذلك.

روي أنه اجتمع لأبي بكر الصديق مال فتصدق به كله في سبيل الله فلامه طائفة من المسلمين وخطأه الكافرون؛ فنزلت (١). {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ} عطف على {الَّذِينَ آمَنُوا} وكذلك ما بعده. ومعنى {كَبائِرَ الْإِثْمِ} الكبائر من هذا الجنس.

وقيل: {الْإِثْمِ} الشرك. و {هُمْ يَغْفِرُونَ} هم الأخصاء بالمغفرة عند الغضب، ومثله قوله: (٢٤٧ /ب) {هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (٢). {وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ} أجابوا دعاء داعيه ونزلت في الأنصار، وكانوا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبهم أمر اجتمعوا وتشاوروا؛ فأثنى الله عليهم بذلك (٣).


= (١/ ٢٤٠)، شرح شواهد المغني للأزهري (ص: ٤٩٧)، شرح المفصل لابن يعيش (٧/ ٥٥)، الكتاب لسيبويه (٣/ ٣٩)، الكشاف للزمخشري (١/ ٥٥٧)، مغني اللبيب لابن هشام (١/ ١٧٥)، المقاصد النحوية (٤/ ٣٩٠)، همع الهوامع للسيوطي (١/ ٢٥١).
(١) نسبه الزمخشري في الكشاف (٤/ ٢٢٨) لعلي رضي الله عنه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
(٢) في الآية (٣٩) من هذه السورة.
(٣) رواه الطبري في تفسيره (٢٥/ ٣٧) عن يونس قال: أخبرنا بن وهب قال: قال بن زيد وقرأ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ قال فبدأ: بهم وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ -

<<  <  ج: ص:  >  >>