للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشورى: مصدر بمعنى التشاور؛ كما أن الفتيا مصدر. فإن قلت: أيحمدون على الانتصار؟ قلت: نعم؛ فإن من أخذ حقه ولم يزد عليه ممدوح عند الله بأنه لم يتعد حدوده.

{وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)}

{وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} كلاهما بمعنى ما يسوء الإنسان؛ لأن من انتقم منه بالحق ساءه ذلك ولم يهن عليه. {فَمَنْ عَفا} عمن ظلمه، {وَأَصْلَحَ} ما بينه وبينه {فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ} عدة مبهمة عظيمة المقدار. في الحديث: "ينادي مناد يوم القيامة: من كان له على الله حق فليقم، فيقوم العافون وهم قليل" (١).

وقوله: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ} فيه تلويح؛ أن من انتصر لنفسه لا يخلو من تحيف وخصوصا في حال الحرب فربما كان المجازى من الظالمين، وهو لا يشعر.

{بَعْدَ ظُلْمِهِ} من إضافة المصدر إلى المفعول. {فَأُولئِكَ} إشارة إلى معنى {مِنْ} دون لفظها. {ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} لمن يذمهم: {وَلَمَنْ صَبَرَ} على الظلم والأذى {وَغَفَرَ} ولم ينتصر {إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ} أي: لمنه؛ فحذف الراجع والمراد: إنه من جملة الأمور المعزوم عليها.

وروي أن رجلا سب رجلا في مجلس الحسن، فكظم المسبوب نفسه عن الجواب وعرق، ثم قام وهو يتلو هذه الآية، فقال الحسن: عقلها والله (٢). والغفر مندوب إليه، وقد ينعكس


= الأنصار وَأَقامُوا الصَّلاةَ وليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَمْرُهُمْ شُورى ليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ".
(١) ذكره الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار التي في الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٤٣) وقال:" رواه الطبراني في كتاب مكارم الأخلاق والبيهقي في شعب الإيمان في الباب السابع والخمسين وأبو نعيم في الحلية من حديث الحسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقف العباد للحساب ينادي مناد لهم من كان أجره على الله فليدخل الجنة. فيقال: ومن ذا الذي أجره على الله؟ فيقول: العافون عن الناس، فقام كذا وكذا فدخلوها بغير حساب"، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٧٠٩) لابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنها.
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٢٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>