للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمثيل؛ كما يكلم الملك بعض خواصه من وراء الحجب؛ بحيث يسمع كلامه ولا يرى شخصه، والله تعالى متعال عن الحجاب؛ لأن الحجاب يستدعي جسما ومكانا وهما مستحيلان على الله، وإما أن يرسل إليه رسولا من الملائكة فيوحي الملك إليه. وقوله:

{وَحْياً} و {أَوْ يُرْسِلَ} مصدران واقعان موقع الحال. {أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ} ظرف واقع موقع الحال. والتقدير: وما صح أن يكلم أحدا إلا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسلا؛ تقول: قلت لفلان كذا. وإنما قاله من سواك.

{رُوحاً مِنْ أَمْرِنا} سمي الوحي روحا؛ لأن القلوب تحيا به كما تحيا الأبدان بالأرواح (٢٤٨ /ب) فإن قلت: قد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يدري ما القرآن والشرائع قبل أن يبعث، فما معنى قوله: {وَلا الْإِيمانُ} ولا يجوز أن يكون النبي مخلا بالإيمان لا قبل النبوة ولا بعدها؟ قلت: أصول العقائد على قسمين: منها ما يدرك بالعقل وحده؛ كوجود الله وتوحيده وعلمه وقدرته. ومنها ما لا يدرك إلا بالسمع؛ كقيام الساعة وصفة الجنة والنار؛ فأراد بقوله: {وَلا الْإِيمانُ} ما لا يطلع عليه إلا بالوحي ألا تراه قد وصف الصلاة بالإيمان بقوله: {وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} (١) أي: الصلاة لبيت المقدس.

***


(١) سورة البقرة، الآية (١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>