للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد بالإنسان في قوله: {وَإِنّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ} الجنس؛ لقوله: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ} (١) {إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} (٢). والرحمة: النعمة؛ من الصحة والغنى وغيرهما، و {سَيِّئَةٌ} البلاء؛ من المرض والفقر وغيرهما، والكفور: مبالغة في الكافر؛ أي: جاحد النعم ينسى النعم. لما ذكر إصابة النعمة والشدة أتبع ذلك بقدرته على أنه يهب لقوم الذكور من الأولاد ولآخرين الإناث. {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً} لا يولد له فإن قيل:

لم قدم الإناث على الذكور؟ ولم عرف الذكور بعد ما نكر الإناث؟ قلنا: أما البداية بالإناث؛ فلأنه سبق أنه يفيض على قوم نعما وعلى قوم خلافها، فسياق الكلام يرشد إلى أنه يفعل ما يشاء، لا ما يشاءون، فقدم الإناث؛ لأن العرب كانت تعدهن بلاء ثم عاد إلى تقديم الذكور؛ جريا على الأصل، وتنبيها على أن تقديمهن لم يكن لشرفهن، إنما كان لمقتض آخر، ونوه بذكر {الذُّكُورَ} بالتعريف؛ لأنهم الأشهر؛ كما قال: {خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} (٣) {يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى} (٤).

وقيل: المراد: الأنبياء؛ حين وهب لشعيب وللوط الإناث ولإبراهيم الذكور، ولمحمد صلى الله عليه وسلم ذكورا وإناثا وجعل يحيى وعيسى عقيمين.

{وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)}

{وَما كانَ} وما صح {لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ} على أوجه؛ إما على طريق الوحي وهو الإلهام والقذف في القلوب، أو المنام؛ كما أوحى إلى إبراهيم في أمر الذبيح، وكما أوحى إلى أم موسى، وإما أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام؛ كما خلق كلامه في الشجرة؛ كما قال تعالى: {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} (٥) وقوله: {مِنْ وَراءِ حِجابٍ}


(١) سورة إبراهيم، الآية (١٣٤).
(٢) سورة العاديات، الآية (٦).
(٣) سورة النجم، الآية (٤٥).
(٤) سورة الحجرات، الآية (١٣).
(٥) سورة القصص، الآية (٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>