للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدابة قال: الحمد لله على كل حال: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا} إلى قوله {لَمُنْقَلِبُونَ} وكبر ثلاثا وهلل ثلاثا (١). قالوا: إذا ركب في السفينة قال: {بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢) وهذا مشكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل أنه سافر في بحر. وروي أن الحسين بن علي رأى رجلا ركب دابة، فقال الرجل: سبحان الذي سخر لنا هذا؛ فقال الحسين:

أبهذا أمرتم؟ قال: فبماذا أمرنا؟ قال: أن تذكروا نعمة ربكم؛ كان قد أغفل التحميد فنبهه عليه (٣). {مُقْرِنِينَ} مطيقين؛ يقال: أقرن الشيء؛ إذا أطاقه ومنه قوله [من الطويل]:

وأقرنت ما حمّلتني ولقلما يطاق ... احتمال الصّدّ يا دعد والهجر (٤)

فإن قلت: كيف اتصل هذا بقوله: {وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ؟} قلت: لما كان ركوب الخيل والبحر أمرا مخطرا ذكّر الله الإنسان أن يجدد ذكر ذلك لنفسه، وألا يكون كما حكي أنّ مترفا ركب في مركب إلى مكان مسيرة شهر فلم يزل هو وأصحابه يشربون حتى استقر في منزله ولم يشعر بسفره ولا قدومه، فكم بين هؤلاء وهؤلاء؟

قوله: {مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً} متصل بقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} أي: إذا سئلوا عنها اعترفوا بأن الله خالقها، وهم قد جعلوا له مع ذلك من عباده جزءا، وهو قولهم: الملائكة بنات الله؛ فجعلوهم جزءا له وبعضا كسائر الأولاد. ومن بدع التفاسير تفسير الجزء بالإناث وزعمهم أن هذه لغة العرب؛ يخصون الأنثى باسم الجزء وأنشدوا [من البسيط]:

إن أجزأت حرّة يوما فلا عجب ... قد تجزئ الحرّة المذكار أحيانا (٥)

(٢٤٩ /ب)


(١) رواه أحمد في المسند (١١٥، ١/ ٩٧)، وأبو داود رقم (٢٦٠٢)، والترمذي رقم (٣٤٤٦)، وابن حيان في صحيحه رقم (٢٦٩٧)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٩٨)، وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (٤٩٨)، وصححه الترمذي والحاكم والشيخ الألباني في صحيح الترمذي رقم (٢٧٤٢).
(٢) أورده ابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (٥٠٢) وفي سنده جبارة بن المغلس وهو ضعيف، وفيه كذلك يحيى بن العلاء ومروان بن سالم وهما متهمان بالوضع.
(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٧١٧) ونسبه لابن جرير وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٤) البيت لابن هرمة، ينظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٧)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٩٣)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٢٤٠).
(٥) ينظر البيت في: الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٩٣)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٢٤١)، لسان العرب (جزأ).

<<  <  ج: ص:  >  >>