للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ} وفيه أنه جعل النشأة في النعمة والزينة من المعايب والمذام وأنه من صفات ربات الحجال؛ فعلى الرجل أن يتبرأ من هذه الصفة وتمثيل قول عمر:

"اخشوشنوا" (١) أي: كونوا في عيش خشن؛ في المأكل والملبس. جمعوا بين ثلاثة أمور منكرة: أن جعلوا لله ولدا، وجعلوه من أخس الفريقين وهم الإناث، وسبوا الملائكة فجعلوهم إناثا.

{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨)}

ومعنى {جَعَلُوا} سموا، ولم يصيّر لله بنات؛ كقوله: {جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} (٢) وقوله: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} تهكم لأن العلم إنما يكون بالصيرورات أو بالنظريات، وهذا ليس بواحد منهما فلم يبق إلا أن يكون مشاهدا، فتهكم بهم بقوله: {أَشَهِدُوا}.

{سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ} بما ذكر من غير مستند، وقد أضافوا إلى ما سبق عبادتهم الملائكة (٢٥٠ /أ) ودعواهم أن ذلك وقع بمشيئة الله، ولا يقع شيء في الوجود إلا بمشيئة الله؛ ولكن لا يجوز الاحتجاج على الله بمشيئة؛ فالغلط وقع بالاحتجاج بالمشيئة لا بنفس المشيئة.

{يَخْرُصُونَ} يكذبون {أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ} من قبل القرآن شهد بصحة ما قالوه.

ثم ذكر استناد عقائدهم إلى عقائد آبائهم بقوله: {بَلْ قالُوا إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ} أي على دين انفردوا به. و {عَلى آثارِهِمْ} و {مُهْتَدُونَ} خبران، أو الظرف صلة لا "مهتدون". {مُتْرَفُوها} الذين أبطرتهم النعمة فلا يحبون إلا الشهوات. أي: أتتبعون


(١) رواه الطبري في تفسيره (٢/ ١٧٨).
(٢) سورة الحجر، الآية (٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>