للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} (١) وقوله: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (٢) وليلة القدر في أكثر الأقوال في رمضان ومعنى إنزال القرآن في هذه الليلة أنه أمر بإنزاله من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا؛ فكان جبريل ينزله من بيت العزة على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما مقسما مفرقا.

فإن قلت: قوله: {إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} ما موقع هاتين الجملتين؟ قلت:

هما جملتان مستأنفتان فسر بهما جواب القسم، وإنزاله في هذه الليلة تفضيل لها، والمباركة:

الكثيرة الخير، ومعنى {يُفْرَقُ} يفصل ويكتب كل أمر محكم من أرزاق العباد وآجالهم.

وقيل: يكتب ما يكون في كل سنة من اللوح المحفوظ فيدفع إلى ميكائيل أوراق الأرزاق، وإلى جبريل أوراق الحروب والزلازل والصواعق والخسف، وإلى كل ملك ما يغدق به وعن بعضهم: يعطى كل عامل بركة عمله، فيلقى على ألسنة الخلق مدحه وفي قلوبهم وده.

ووصف الأمر بالحكيم مجاز، وحقيقة الحكيم: الحاكم، والحكيم هاهنا بمعنى: المحكم.

{أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠)}

{أَمْراً مِنْ عِنْدِنا} نصب على الاختصاص، وفيه زيادة تعظيم لهذا الأمر. ويجوز أن يراد به الأمر الذي في مقابلة النهي، ويكون حالا من أحد الضميرين في "أنزلناه" إما من الفاعل؛ أي: أنزلناه أمرا، أو من المفعول؛ أي: أنزلناه مأمورا به ويجوز أن يكون تعليلا ل‍ "يفرق" ولقوله: {أَمْراً مِنْ عِنْدِنا} أو {رَحْمَةً} مفعول به، ووصف الرحمة (٢٥٤ /أ) بالإرسال موجود في قوله: {ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} الآية (٣) وقوله: {مِنْ رَبِّكَ} عوض قوله (مّنّا) فوضع الظاهر موضع المضمر.

قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} يريد أن من شأننا إرسال الرسل؛ {وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (٤) ورد قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} بقوله: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ}. {يَوْمَ}


(١) سورة القدر، الآية (٤).
(٢) سورة البقرة، الآية (١٨٥).
(٣) سورة فاطر، الآية (٢).
(٤) سورة الإسراء، الآية (١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>