للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقع مفعولا ثانيا فهي في حكم المفرد فهو كقولك: حسبت زيدا أبوه منطلق، ومن قرأ {سَواءً} بالنصب (١) جعل "سواء" بمعنى مستويا، وارتفع {مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ} على الفاعلية، وكان مفردا غير جملة، ومن قرأ: "ومماتهم" (٢) بالنصب جعل "محياهم ومماتهم" ظرفين؛ كمقدم الحاج وخفوق النجم؛ أي: سواء في محياهم وفي مماتهم، والمعنى: إنكار أن يستوي المحسنون والمسيئون محيا وأن يستووا مماتا لافتراق أحوالهم في الدنيا؛ فالمؤمنون على حق والكافرون على باطل. وقيل: إن المؤمنين والكفار في الدنيا مستوون في سعة الرزق وقلته. وعن تميم الداري أنه قام في الليل يصلي فوصل في تلاوته حتى هذه الآية، فلم يزل يرددها ويبكي إلى الصباح (٣). وعن الفضيل أنه كان يرددها ويقول: ليت شعري؛ من أي الفريقين أنت؟ (٤).

{وَلِتُجْزى} معطوف على "بالحق"؛ لأن فيه معنى التعليل، أو على معلل محذوف تقديره: {وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} ليدل بذلك على قدرته {وَلِتُجْزى}.

{إِلهَهُ هَواهُ} أي جهة مالت إليها نفسه (٢٥٧ /ب) تبعها، وقرئ {إِلهَهُ} (٥) على الجمع، وكانوا إذا عبدوا صنما ثم رأوا غيره أحسن منه رفضوا الأول وعبدوا الثاني فصارت العبادة تبعا لهوى النفس وصار هوى النفس آلهة شتى. {هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ} بمعرفته بما ينبغي اجتنابه {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ} إضلال الله.


(١) قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف "سواء" وقرا الباقون "سواء".
تنظر القراءات في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٤٧)، الحجة لابن خالويه (ص: ٣٢٥)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٦٦١)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ١٢٩)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٥٩٥)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٢٩٠)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٧٢).
(٢) قرأ بها الأعمش. ينظر: الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ١٢٩)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٢٩٠).
(٣) رواه الطبراني في المعجم الكبير (٢/ ٥٠) بسنده عن مسروق قال: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري لقد رأيته قام ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله عز وجل فيركع ويسجد ويبكي أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ.
(٤) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٢٩٠).
(٥) قرأ بها الأعرج. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٤٨)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ١٣٠)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٥١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>