للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لِي} (١) ويجحدون عبادتهم، وإنما قال: {مِنَ} و {وَهُمْ} لأنه أسند إليهم فعل العقلاء، وهو الدعاء والاستجابة. ويجوز أن يراد: كل معبود من دون الله من الجن والإنس والأوثان، فغلب من يعقل، وقرئ: "ما لا يستجيب له" (٢) ووصفهم بترك الاستجابة والغفلة؛ تهكم بها؛ ونحوه قوله: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ} إلى آخر الآية (٣)، اللام في {لِلْحَقِّ} مثلها في قوله: {قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} (٤) أي: لأجل الذين آمنوا، ولأجل الحق، والمراد بالحق الآيات، وبالذين كفروا: المتلو عليهم، فوضع الظاهران موضع المضمرين، أي: بادروه بالرد ساعة أتاهم، ومن ضلالتهم تسميته سحرا مبينا. {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} فيه إضراب عن دعوى (٢٥٨ /ب) إنما جاء بسحر إلى دعوى أنه افتراء، ومعنى الهمزة في "أم" التعجب والإنكار.

{قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ} فالله قادر على الانتقام منه ولا أملك من أمره شيئا، ومثله: {وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ} (٥) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا فاطمة بنت محمد، لا أملك لك من الله شيئا" الحديث (٦). ثم قال: {هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ} أي: تندفعون فيه بكثرة، ومعنى ذكر العلم والشهادة التهديد البليغ. {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} موعدة بالمغفرة والرحمة لمن تاب.

{قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩)}

البدع: بمعنى البديع، وقرئ: "بدعا" بفتح الدال (٧) أي: ذا بدع، ويجوز أن تكون


(١) سورة الشعراء، الآية (٧٧).
(٢) قرأ بها عبد الله بن مسعود. ينظر: الكشاف للزمخشري (٣/ ٥١٦)، معاني القرآن للفراء (٣/ ٥٠).
(٣) سورة فاطر، الآية (١٤).
(٤) سورة مريم، الآية (٧٣).
(٥) سورة المائدة، الآية (٤١).
(٦) رواه مسلم رقم (٢٠٤)، وأحمد في المسند (٢/ ٣٣٣)، والترمذي رقم (٣١٨٥)، والنسائي (٦/ ٢٤٨)، وابن حبان في صحيحه رقم (٦٤٦) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٧) قرأ بها عكرمة وأبو حيوة وابن أبي عبلة. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٥٦)، تفسير القرطبي (١٦/ ١٨٥)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ١٣٦)، فتح القدير للشوكاني (٥/ ١٥)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٥١٧)، المحتسب لابن جني (٢/ ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>