للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن الواقع، ولا يلزم من الإخبار عن الواقع أن يكون الواقع جائزًا، كما أخبر أننا نركب سنن من كان قبلنا: اليهود والنصارى (١)، ومع ذلك لا يحل لنا هذا، وكما أخبر أن الظعينة تذهب من كذا إلى كذا وحدها (٢)، ومع ذلك لا يحل للظعينة أن تسافر يلا محرم، لكن الذي يظهر لي أن إيجاب الخشوع في الصلاة فيه مشقة، يعني: كون الإنسان لا تأتيه الهواجس ولا يوسوس في شيء فيه مشقة شديدة.

الفائدة الثالثة عشرة: أننا لا نعلم ما عند الله عزّ وجل، فلا نعلم ما في نفسه مما يقدره جلَّ وعلا ويريده، ولا نعلم عن إرادة الله إلا بوقوع المراد، يعني نحن لا نعلم أن الله أراد أن تمطر حتى ينزل المطر، ولا نعلم أن الله تعالى قضى بحروب تقع بين الناس إلا إذا وقعت هذه الحروب، فإذا وقعت علمنا أن الله أرادها، إذ لا يكون في ملكه ما لا يريد.

الفائدة الرابعة عشرة: إثبات علم الله تبارك وتعالى بالغيب، لقوله: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} ومعنى علَّام الغيوب: أي: أنك موصوف بهذا، وليس المراد الكثرة، بل المراد المبالغة في هذا الوصف بقطع النظر عن أفراده؛ لأنها لا تحصر، وقد ذكر بعض العلماء أن كل ما جاء بصيغة المبالغة في حق الله فليس معناه الكثرة وإنما معناه الكمال، لكن من تأمل وجد أنه يأتي لهذا وهذا.


(١) رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتتبعن سنن من كان قبلكم"، حديث رقم (٦٨٨٩) عن أبي سعيد الخدري.
(٢) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (٣٤٠٠) عن عدي بن حاتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>