في غير الصحيح قال:"ابدءوا"(١) بلفظ الأمر، وهذا يدل على أن ما بدأ الله به فهو أحق بالتقديم، وعلي هذا يكون دليل الترتيب من وجهين في الآية ومن دليل منفصل من السنة ويتفرع على هذا أنه لو توضأ مُنكسًا فبدأ بالرِّجلين ثم الرأس ثم اليدين ثم الوجه، هل يصح الوضوء أم لا؟
الجواب: إن كان عبثًا فغير صحيح، أي لا يصح الوضوء في أي عضو من الأعضاء، بل قد يكون خطرًا على دين المرء أن يعبث بشريعة الله، وإن كان نسيانًا أو جهلًا صح غسل الوجه فقط، ثم يطهر ما بعده، هذا في الترتيب؛ لأنه إذا كان عابثًا فقد عمل عملًا ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردودًا كله، وإن كان ناسيًا أو جاهلًا فإنه معفو عنه وحينئذٍ نقول: كأنك ابتدأت من الآن، وقد غسلت الوجه فأكمل الباقي.
الفائدة العشرون: وجوب الموالاة، وجهه: أن غسل هذه الأعضاء جاء مرتبًا على الشرط، فلا بد أن يكون أجزاء هذا الفعل المرتب على الشرط لا بد أن تكون متوالية؛ لأن الشرط يعقبه المشروط، هذا وجه الدلالة من الآية، أما من حيث النظر، فيقال: إن الوضوء عبادة واحدة فإذا جزأه المتوضئ لم يظهر كونه عبادة واحدة، يعني: لو غسل وجهه الساعة الواحدة، وغسل يديه في الساعة الثانية، ومسح رأسه في الساعة الثالثة، وغسل رجليه في الساعة الرابعة فإنه لا يتبين أن هذه عبادة واحدة، إذًا: لا بد من الموالاة، ولكن كيف نحد الموالاة؟
(١) رواه أحمد في المسند (٣/ ٣٩٤) (١٥٢٨٠)، والدارقطني (٢/ ٢٥٤) (٧٩).