للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا} "نسوا" تحتمل معنيين: الأول: نسوا: أي: تركوا، والثاني: نسوا: أي: بعد الذكر، فالأول نسيان عملي، والثاني نسيان علمي، فهل المراد في هذه الآية الأول أو الثاني؟

الجواب: كلاهما المراد، نسوا: أي: تركوا عن عمد، نسوا: أي: تركوا عن عدم علم، يعني: نسوا العلم الذي كانوا يعلمونه من قبل.

فإذا قال قائل: ما هو الدليل على تقسيم النسيان إلى هذا؟

قلنا: اقرأ قول الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦]، هذا نسيان علمي، واقرأ قول الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ} [الحشر: ١٩]، هذا نسيان عملي، وقوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: ٦٧]، هذا أيضًا نسيان عملي.

وقوله: {حَظًّا} أي: نصيبًا، والحظ قد يكون في الخير وقد يكون في الشر، فقوله تبارك وتعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: ٣٥]، هذا حظ محمود، وإذا قيل مثلًا: فلان حظه من اليوم الآخر النار، هذا مذموم، فقوله: "حظًّا": أي نصيبًا.

قوله: {مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} أي: من الوحي الذي نزل عليهم ليتذكروا به، فهم نسوا حظًّا من التوراة؛ لأن الكلام الآن على اليهود، نسوا حظًّا من التوراة أي: تركوه عمدًا نتيجة تحريف الكلم عن مواضعه، أو نسوه بمعنى أنهم نسوه بعد العلم، وذلك أن كتبهم تلفت ولما تلفت صاروا يتخبطون فيها ويكتبون فيها ما أرادوا، فهذا وجه النسيان الذي هو ضد الذكر، والنسيان الذي هو ضد العمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>