للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا لما دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - على قوم باللعنة فقال: "اللهم العن فلانًا وفلانًا" (١) نهاه الله تعالى بقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨)} [آل عمران: ١٢٨]، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر يغضب كما يغضب البشر فأيما امرئ لعنته فاجعل ذلك كفارة له" (٢) فالمراد باللعن في هذا الحديث السب، ولهذا لما قال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله! وهل يلعن الرجل أباه، قال - صلى الله عليه وسلم -: "نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه" (٣) لكن لو دعا على الكافر بالهلاك لا يدخل في اللعن؛ لأن اللعن هو الطرد والإبعاد.

الفائدة الرابعة والخامسة: أنه كلما عصى الإنسان ربه قسا قلبه، لقوله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}، عكس ذلك أن نقول: كلما أطاع الإنسان ربه لان قلبه، وما أكثر الذين يطلبون أن تلين قلوبهم ويسألون ما هو الدواء لقسوة القلب؟ نقول: الدواء لقسوة القلب كثرة طاعة الله عزَّ وجل.

الفائدة السادسة: أن للقلوب أحوالًا: قسوة ولينًا، وهو كذلك، كما قال الله تبارك وتعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا


(١) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}، حديث رقم (٤٢٨٣) عن ابن عمر وأبي هريرة.
(٢) رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب من لعنه النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلًا لذلك كان له زكاة وأجرًا ورحمة، حديث رقم (٢٦٠١) عن أبي هريرة.
(٣) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب لا يسب الرجل والديه، حديث رقم (٥٦٢٨)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، حديث رقم (٩٠) عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>