والرجوع هزيمة وذل، ولهذا ورد النهي الشديد عن التولي يوم الزحف.
قوله:{فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} لا ترتدوا فتنقلبوا، والانقلاب يشعر بخيبة الأمل، ولهذا قال:{فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} و {خَاسِرِينَ} حال من الواو في قوله: {فَتَنْقَلِبُوا} فماذا كان الجواب؟
كان الجواب كما قال تعالى:{قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} انظر للخطاب في قوله: {يَامُوسَى} لم يقولوا: يا نبي الله ولا يا رسول الله، {قَالُوا يَامُوسَى} وهذا لا شك أنه جفاء في مخاطبته، أن يخاطبوا نبيهم باسمه، ولهذا نهى الله هذه الأمة أن يخاطبوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - باسمه في قوله:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}[النور: ٦٣] , على أحد التفسيرين؛ لأن بعض العلماء يقولون: المعنى لا تدعوه باسمه كما يدعو بعضكم بعضًا، وإن كانت هذه الآية تشمل هذا المعنى وتشمل المعنى الثاني وهو أنه إذا دعاكم لا تجعلوا دعاءه كدعاء بعضكم بعضًا إن شئتم أجبتم وإن شبهتم لم تجيبوا، بل يجب عليكم أن تجيبوا، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال: ٢٤].
قوله:{قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ}، ذكروا علة تدل على جبنهم وخورهم وضعف عزيمتهم بل عدم عزيمتهم.
وقوله:{إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} الجبار: هو العاتي الكبير الجسم الطويل مأخوذٌ من قولهم في اللغة العربمِة: نخلة جبارة، والنخلة الجبارة: هي النخلة القوية العالية، وإلى الآن هذا المعنى موجود يقال: فلان عنده بستان جبارٌ نخلُه، يعني قويًّا عاليًا لا يتناول الإنسان ثمره بيده.