للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: إن معنى قوله: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} هذا في عقوبة الآخرة، لأن من يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها، ولا أعظم من هذا الجزاء لو قتل نفسين، فكذلك لو قتل الناس جميعًا، فكذلك هذا أعظم جزاء، أنه في جهنم خالدًا فيها {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣]، لكن المعنى الأول أظهر المعاني، أن من قتل نفسًا عمدًا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فإنما يقتلها مستحلًا للقتل، ثم إذا استحل القتل بنفس واحدة محترمة فكأنما استحله في جميع الناس.

قوله: {وَمَنْ أَحْيَاهَا} أي: أنقذها من الموت أو القتل، وليس المعنى: أنه نفخ فيها الروح؛ لأن ذلك لا يكون إلا لله عزّ وجل، وهذا يشمل أشياء:

أولًا: لو هم الإنسان بقتل شخص فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ، ثم استيقظ ورأى أن ذلك حرام، ثم كف عن هذا القتل، يكون قد أحيا هذه النفس، فبعد أن طوعت له نفسه قتله تراجع.

ثانيًا: الدفع: دفع الصائل الذي يريد أن يقتل شخصًا، فيدفعه، ويكون بهذا أحيا نفسًا، أي: أنقذها من القتل.

ثالثًا: -يعني من المعاني- أن يقع شخص في هلكة كحريق أو غرق أو هدم، فيأتي شخص آخر فينقذه، فهذا أحيا نفسًا، فيكون كالذي أحيا الناس جميعًا في الثواب الذي يثاب عليه أو في حسن نيته بإنقاذ هذه النفس المعصومة، فيكون كأنه أنقذ الناس جميعًا؛ لأن طويته حسنة ونيته نية الرحمة، فإذا رحم واحدًا من الخلق فكأنما رحم الناس جميعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>