فإذا قال قائل: إذا جعلتم الحكمة من صفات الكمال، فأوجبوا على الله ما تقتضيه الحكمة، واجعلوا الله تعالى يجب عليه أن يشرع هذا الشيء، وأن يوجب هذا الشيء، وأن يحرم هذا الشيء؛ لأن الحكمة تقتضيه، وحينئذٍ تكونون قد أوجبتم على الله تعالى أنتم بعقولكم؟
فنقول: هذا خطأ؛ لأننا نعلم أن ما شرعه الله فهو لحكمة، ولسنا نحن الذين نوجب على الله أن يفعل، ولسنا نحن الذين نجعل هذا الشيء لهذه الحكمة المعينة، وإذا كان الله تعالى قد كتب على نفسه الرحمة وأوجب على نفسه الرحمة، أفلا يوجب على نفسه أن يفعل الشيء إذا اقتضته الحكمة؛ لأنه مقتضى هذا الوصف، فنحن نقول: لا نوجب على الله بعقولنا شيئًا؛ لأن عقولنا أقصر وأنقص من أن تدرك أن هذه هي الحكمة وأنه يجب الحكم لهذه الحكمة، لكن إذا علمنا أن الله أوجبها أو حرمها علمنا أن ذلك لحكمة.
فإذا قال قائل: هل توجبون على الله أن يوجب إذا اقتضته الحكمة؟
الجواب: نعم، لكن بإيجابه على نفسه، والله جلَّ وعلا وصف نفسه بأنه الحكيم وأنه أحكم الحاكمين، أما نحن فلا نوجب ذلك بعقولنا.
الفائدة الثانية: تعظيم الله نفسه جلَّ وعلا، في قوله:{كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} وأمثلة هذا كثيرة في القرآن، وقد استدل النصارى بهذا أي: إضافة الشيء إلى الله تعالى بنون التعظيم، أو بضمير الجمع استدلوا على باطلهم بأن الله ثالث ثلاثة، ولا غرابة في ذلك؛ لأن الذين في قلوبهم زيغ يتبعون