بما دون الشعرة في أي موضع كان، فإذا أمكن القصاص وجب القصاص، هذا هو العدل ودليلنا هذه الآية العظيمة وهي:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}[النحل: ٩٠].
لو قال قائل: غير الجروح هل يقتص فيها، كاللطمة والضربة بالعصا وما أشبه ذلك؟
اختلف في هذا العلماء: منهم من قال: إن اللاطم لا يلطم، لكن يؤخذ منه الحق العام، ويكون أمره إلى ولي الأمر يقدر ما يراه مانعًا من العدوان، وعللوا ذلك بأنه لا يمكن القصاص في اللطمة؛ لأن ربطها بالشدة والقوة أو بالعكس صعب جدًّا، وأيضًا ربما يكون المجني عليه يده كبيرة، وذاك يده صغيرة، فلما ضرب المجني عليه أصابت الضربة نصف خده، والثاني يده كبيرة إذا ضربه تحيط يده بكل الخد فيختلف الحكم، يعني: أنه لا يمكن القصاص، لكن بعض العلماء يقول: إن القصاص ممكن؛ لأن الإنسان في مسألة الضربة واللطمة وما أشبه ذلك لا يريد مجرد القصاص بل يريد أن يتشفى بما يصيب ضاربه من الألم، وإنما يريد أن يتشفى بما يصيبه من الإذلال والإهانة، ولهذا لو كانت المسألة من باب المزح وضربه على وجهه بقوة فلن يطلب القصاص لكن إذا كانت المسألة من باب المغالبة فلا شك أن في اللطمة إذلالًا، فيقول: أنا لا تهمني اللطمة غاية ما هنالك أنه تَفَرَّغ الدم ثم رجع؛ لأن الدم من شدة الضربة يتفرغ حتى يكون محل الضربة أبيض أحيانًا، لكن الذي يهمني أنه أذلني فأنا أريد أن أذله، فعلى كل حال في هذه الحال ينبغي أن ينظر إلى رأي القاضي، والقاضي إذا رأى أن في إهانة المعتدي ولو بضربة خفيفة نوع من التشفي فليفعل.