قوله:{وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} هذا كلام شديد، إن لم تفعل أي: تبلغ كل ما أنزل إليك، فما بلغت رسالته، حتى فيما بلغته مما كتمته فإنه لا يكون بلاغًا؛ لأن جحد بعض ما أنزل كجحد الكل، الإيمان لا يتبعض، لا يمكن أن تؤمن بشيء وتنكر شيئًا، ولهذا قال:{وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ} أي: تبلغ كل ما أنزل فما بلغت رسالته، حتى فيما بلغت لم تبلغ، يعني: لا بد أن تبلغ جميع ما أنزل، ولهذا بلغ عليه الصلاة والسلام كل ما أنزل إليه حتى فيما كان عليه، حتى فيما كان فيه لوم عليه، عليه الصلاة والسلام، قال الله تبارك وتعالى:{وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}[الأحزاب: ٣٧]، هذه فيها لوم عظيم، هذه لو قيلت لواحد منا لطار من الغضب، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لا بد أن يبلغ كل ما أنزل إليه، حتى فيما كان فيه لوم عليه، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها:"ولو كان محمَّد - صلى الله عليه وسلم - كاتمًا شيئًا مما أنزل الله تعالى عليه، لكتم هذه الآية:{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} "(١).
وقوله:{وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} أي: رسالة ربك، وأضاف الرسالة إليه سبحانه؛ لأنه المُرسل، وقد تضاف إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيقال: هذه رسالة محمَّد؛ لأَنه مبلغها، فتضاف إلى الله باعتباره المُرسِل، وإلى الرسول باعتباره المبلّغ.
(١) رواه مسلم، كتاب الإيمان, باب معنى قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣)} [النجم: ١٣]، حديث رقم (١٧٧) عن عائشة.