واحد، لكن الله تعالى قدم ذكر هارون في سورة طه من أجل تناسب الآيات، فكل ما يحكيه الله عن السابقين فهو بالمعنى؛ لأننا نعلم أنهم ما تكلموا بالعربية، فلغتهم غير العربية، وترتيبهم ليس كترتيب القرآن فيما نعلم والله أعلم، وقد يقال: إن الله حكى قولهم، ولكنه صاغه عزّ وجل أو تحدث به على ما يريد.
وقوله:{فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أثابهم: بمعنى أعطاهم ثوابًا، والثواب مكافأة العامل على عمله، قال الله تعالى: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)} [المطففين: ٣٦].
وقوله:{بِمَا قَالُوا} أي: بسبب قولهم، وهو: {آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} إلى آخره، والباء في قوله:{بِمَا قَالُوا} للسببية، و {ما} يحتمل أن تكون مصدرية، ويحتمل أن تكون موصولة، فإن جعلناها مصدرية صار التقدير أثابهم الله بقولهم، وإذا جعلناها اسمًا موصولًا صار التقدير أثابهم الله بالذي قالوا، وحينئذٍ لا بد من عائد يعود إلى الموصول وهو هنا محذوف، والتقدير: بما قالوه.
وقوله:{جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}{جَنَّاتٍ}: جمع جنة، والله عز وجل يعبر عنها أحيانًا بالجنة مفردة وأحيانًا بجنات، فأما إذا عبر عنها بالجنة مفردة فالمراد بها الجنس، وإذا عبر عنها بالجمع فالمراد بها أنواعها، ومن المعلوم أن الله ذكر في سورة الرحمن أربعة أنواع: جنتان، وجنتان، وفي الحديث: "جننان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة