وقوله:{جَنَّاتٍ} إن أردنا أن نردها إلى المعنى اللغوي، قلنا: الجنات هي: البساتين الكثيرة الأشجار، وسميت بذلك؛ لأن أشجارها تجن أرضها أي: تسترها، لكثرتها وانتشارها، لكن هذا التفسير لو فسر للعامة لهبطت قيمة الجنة عندهم، وتصوروا أنها من جنس بساتين الدنيا، ولهذا نقول في تفسيرها: إنها الدار التي أعدها الله عزّ وجل لأوليائه، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حتى يعرف الإنسان أن هذه الجنة ليس لها نظير.
وقوله:{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي: من تحت قصورها وأشجارها، وليس المراد من تحت أرضها؛ لأن من تحت أرضها لا يستفاد منه، لكن من تحت أشجارها وقصورها، و {الْأَنْهَارُ} جمع نهر، وهي أربعة ذكرت في سورة محمد، في قوله تعالى:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى}[محمد: ١٥]، هذه الأنهار خلقها الله عزّ وجل في الجنة، وهي غير الأنهار التي خلقها في الأرض، فالماء في الأرض يخرج بحفر الآبار، أو بالأمطار والسيول، لكن في الجنة ليس هكذا، أنهار تجري بغير أخدود وبغير حَفْرِ سواقي، بل بقدرة الله عزّ وجل، {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} ليس من بقر ولا من إبل، ولا من
(١) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب سورة الرحمن، حديث رقم (٤٥٩٧)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، حديث رقم (١٨٠) عن عبد الله بن قيس.