للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سوف يأتي إليه الحكم {فَاعْتَزِلُوا} [البقرة: ٢٢٢]، وهو قد ترقبه، فقوله: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} أيضًا مثله، فمن حين أن تأتي العلة رجس من عمل الشيطان، يكون الإنسان مترقبًا لحكم النهي، وتارة تكون العلة بعد الحكم، كما في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥]، وذلك لأن الميتة والدم ولحم الخنزير تنفر منه الطباع، فقدم الحكم لأن النفوس السليمة تترقب هذا الحكم وربما تتجنبه بدون حكم شرعي، ثم تأتي العلة مطابقةً لما تقتضيه الفطرة.

الفائدة الرابعة عشرة: أن أعمال الشيطان التي يأمر بها رجس لقوله: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}، ثم هل نقول: إن في الآية دليلًا على نجاسة الخمر؛ لأن الرجس هو النجس كما في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}؟

الجواب: نعم بعض العلماء استدل بهذه الآية على نجاسة الخمر، ولكن عند التأمل في الآية الكريمة لا تجد دليلًا فيها على نجاسة الخمر من وجهين:

الوجه الأول: أنه قال: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ} رجس عملي، والرجس العملي هو الرجس المعنوي كما في قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: ٣٠].

الوجه الثاني: أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست رجسًا حسيًّا، والخبر عن هذه الأربعة واحد، (الخمر) مبتدأ وعطف عليه الثلاثة ثم جاء الخبر رجس، فأين الدليل على أن هذه الأشياء

<<  <  ج: ص:  >  >>