للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دليل آخر: ما ثبت في صحيح مسلم: "أن رجلًا أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية خمر -الراوية قربة كبيرة- كان يدخرها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم أنها حرمت، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل علمت أن الله قد حرمها؟ " قال: لا، ومعلوم أن الإنسان لا يجوز أن يقبل هدية محرمة سواء كانت محرمة لعينها أو لكسبها إذا علم صاحبها الذي أخذت منه، فكلمه أحد الصحابة سرًّا وقال له: بعها، فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بم ساررته؟ " وإنما استفهم عن المسارة مع أنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل رجلين يتساران: ماذا قلتما، لكن المقام يقتضي السؤال. ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع طرف الحديث، فقال: "بم ساررته؟ " فقال: أمرته ببيعها، فقال: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" (١) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -، ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بغسلها.

أرأيت لو كان الخمر نجسًا أيسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يقول لهذا الرجل: اغسل الراوية؟ لا يسكت أبدًا؛ لأن هذا الرجل لا يدري أنها حرمت كيف يدري أنها نجسة؟

فإذًا: يتبين أن الخمر نجاستها نجاسة معنوية، وهذا وإن كان لم يقل به إلا قليل من الأمة فالجماعة مع الدليل، والجمهور على أنه نجس نجاسة حسية، ولكن الأدلة واضحة أن نجاسته نجاسة معنوية، ينبني على هذا، الأشياء التي فيها الكحول الآن السبيرتو وكذلك أيضًا ما يدهن به الجروح وما أشبه ذلك، هل


(١) رواه مسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر، حديث رقم (١٥٧٩) عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>