يستفصلوا، فالصحابة إنما بيّنوا الواجب، يعني الواجب في قتل الصيد بقطع النظر هل على هذا القاتل جزاء أم لا؟ لأن هذا يحتاج إلى تحرير وإلى سؤال مناقشة، هل هو عالم؟ ، أو جاهل؟ ، أو ذاكر؟ ، أو ناسي؟ وحينئذٍ لا دليل فيما أطلقه الصحابة، إنما يريدون بيان الواجب فقط.
وأما الثاني: وهو أن الإتلاف يستوي فيه العمد والسهو والجهل، فهذا حق لكنه في حق الآدمي الذي حقه مبنيٌ على المشاحة ولئلا يتلاعب الناس بالحقوق؛ لأننا لو قلنا: إن من أتلف مال شخصٍ جاهلًا ليس عليه ضمان لتلاعب الناس بعضهم ببعض، وصار هذا يتلف مال هذا ويحرق مال هذا، ويقول: أنا ما دريت وما علمت، ولحصل بسبب هذا ضرر عظيم، فصار تضمين من أتلف مال آدمي جاهلًا أو ناسيًا؛ لأن حق الآدمي مبني على المشاحة هذه واحدة؛ ولأننا لو لم نُضمِّنه لكان في ذلك فتح لأكل أموال الناس بالباطل، ونهب الناس بعضهم أموال بعض، أما حق الله عزّ وجل فهو مبني على المسامحة والمياسرة، والدين يسر، فافترقا.
إذًا: الصواب أن من قتل صيدًا جاهلًا أو ناسيًا أو مخطئًا فليس عليه جزاء، أما الصيد نفسه فهو ميتة لا يؤكل؛ لكن الكلام عن الجزاء.
الفائدة الثامنة: تعظيم الإحرام وتعظيم الحرم، أما تعظيم الإحرام: فإن منع المحرم من الصيد يعني احترام النسك وعدم اللهو وعدم الترف؛ لأنه لو أبيح للمحرم أن يصطاد لتلهى عن النسك، ولهذا قال الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا