للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧]، كل هذا لأجل أن يتفرغ الإنسان قلبًا وقالبًا لما هو متلبس به من النسك.

وأما حرم مكة فظاهر أيضًا أن في الآية دليلًا على تعظيمه وحرمته؛ لأن الحرم آمن كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: ٦٧]، وقال عزّ وجل: وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)} [التين: ٣]، هذا البلد آمِن فيه الآدميون والحيوان والأشجار؛ ولذلك يحرم صيده ويحرم قطع شجره إلا الميت ويحرم القتال فيه، كما قال عز وجل: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [البقرة: ١٩١].

ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعلن عام فتح مكة أنه لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، وأجاب عليه الصلاة والسلام عن كونه استحلها بأنها إنما أحلت له ساعة من نهار (١)؛ لأن إحلالها يتضمن مصلحة كبرى أعظم من انتهاك حرمتها في تلك الساعة؛ ولأنه يؤدي إلى احترامها؛ لأن هناك فرقًا بين أن تكون بلاد كفر أو بلاد إسلام، ولا طريق لكونها بلاد إسلام في ذلك الوقت إلا بالقتال، فالقتال أحل للضرورة؛ ولهذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس" (٢)،


(١) رواه البخاري، كتاب الحج، باب لا ينفر صيد الحرم، حديث رقم (١٧٣٦)، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها، حديث رقم (١٣٥٥) عن أبي هريرة.
(٢) رواه البخاري، كتاب الحج، باب لا يعضد شجر الحرم، حديث رقم (١٧٣٥)، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها، حديث رقم (١٣٥٤) عن أبي شريح.

<<  <  ج: ص:  >  >>