الصواب الأول؛ لأن ما يشبه ما قضت به الصحابة يكون مقيسًا عليه، والقياس أولى من الحكم المتجدد؛ لأنه قد يتجدد حكم يخالف تمامًا ما قضت به الصحابة، أما ما لم يشبه ما قضت به الصحابة فإنه يرجع فيه إلى قوله:(شاهدين) أي: حَكَمين، {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}، لكن ماذا يستلزم الحكم؟ يستلزم الخبرة، بأن يكون الحكمان ممن لهما خبرة بمعرفة الصيود وما يقاربها أو يشابهها من النعم هذا الأول.
والثاني: الأمانة، بأن يكون عندهما أمانة بحيث لا يحكمونها لشخص بهذا المثل ولشخص آخر بخلافه، لا بد أن يكونا أمناء خبراء؛ وذلك بناء على القاعدة المعروفة التي دل عليها قول الله تعالى:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}[القصص: ٢٦]، {الْقَوِيُّ}: يعني ذا الخبرة أو القوي على العمل، وقوة كل شيء بحسبه، وقال الجني لسليمان، أي: عفريت من الجن قال له: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} أي: بعرش ملكة سبأ {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}[النمل: ٣٩]، فهذان الركنان في كل عمل: القوة والأمانة.
الفائدة العاشرة: أنه لا بد من العدالة في الحكمين؛ لقوله:{ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}، والأمانة التي ذكرناها هي جزء من العدالة.
فإن قال قائل: وهل يصح أن يكون القاتل أحدهما، أي: أحد الحكمين، مثل أن يكون هذا القاتل عنده خبرة وعنده علم، وقال: أرى أن هذا الصيد مماثل لهذا النوع من النعم، فهل يقبل قوله مع واحد آخر؟