للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكتنفه مواقفُ تمس الجوانب الحساسة من نفسه، مثل تقديره لذاته في حالة الاكتئاب، واحتمالات الخطر الشخصي في حالة عصاب القلق، وقد يقتصر الشطط الفكري على مناطق قليلة، ويعني الشطط (التطرف الفكري thinking in extremes) أن نَسِمَ الأحداث والوقائع بأنها بيضاء أو سوداء، حسنة أو سيئة، رائعة أو فظيعة، وقد أُطلِق على هذه الخاصة اسم «التفكير المنقسم» dichotomous thinking أو «التفكير ثنائي القطبية» bipolar thinking، شأن المقدمات الأساسية التحتية لهذا النوع من التفكير أن تصاغ في حدود مطلقة مثل «دائمًا» أو «مطلقًا»(١)

ويتجلَّى الاستقطابُ الذهني الجمعي في أوضح صورة في ظاهرة العنصرية أو ما يعرف بمركزية العِرق ethnocentrism، وتعني مركزية العِرق النظر إلى الأشياء على أن جماعتنا هي محور كل شيء والإطار المرجعي الذي يُقاس عليه كل شيء آخر وتقيَّم به كل الجماعات الأخرى: جماعتنا هي الصواب وغيرها الخطأ … هي الحق وغيرها الباطل، هذه العنصرية الصميمة هي التي تحمل كل شعب على أن يغلو في أية عناصر يجدها خاصة به وحده ومميزة له عن الآخرين، وهذا الاستقطاب الذهني هو الذي يُفضِي بالحضارات إلى التجمد والذبول، وهو الذي يذكي الضغائن بين الجماعات المختلفة ويورطها في صراعات منهِكة ويزجي بها إلى حروبٍ مقدسةٍ في وهم الطرفين، ويعطلها في هذا العصر عن الاندماج في المجتمع الكوكبي الجديد. إن أول ما يحيد بالجماعات عن المنطق السديد وعن الاندماج الجديد هو التفكير المستقطب: عقلية «نحن-مقابل-هم»، حيث يُقيَّم كل طرفٍ بتبسيطٍ مفرِط: فإما خيرٌ كله وإما شرٌّ كله. (٢)


(١) آرون بك، «العلاج المعرفي والاضطرابات الانفعالية»، ترجمة: د. عادل مصطفى، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٠، ص ١٠٠.
(٢) Greenspan، S.I. (١٩٩٧).The growth of the mind and the endangered origins of intelligence.Readings، MA: Addison Wesleg.

<<  <   >  >>