للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(٢) وليس ما يمنع أن ينبري متحذلقٌ بتسفيه كلِّ أدبٍ شفاهيٍّ مرويٍّ، باعتبار أن كلمة literature (أدب) مشتقةٌ من الكلمة اللاتينية litera التي تعني الحرف الأبجدي (المكتوب).

(٣) ولا ما يمنع أن يجبهنا متحذلقٌ آخر بأن التعليم لا ينبغي أن يكون إلزاميًّا، باعتبار أن كلمة education (تعليم) مشتقةٌ من الكلمة اللاتينية educere التي تعني يغريه بالكلام بحرية، وقد تفيد معنى الملاطفة والاجتذاب كمقابلٍ للقَسر والإرغام.

(٤) يعني ذلك إذن أن كلمة prevent (يمنع) كان ينبغي لها أن تعني «يسبق» أو «يستبق» لأنها مشتقة من الكلمة اللاتينية prae وتعني «قبل»، وكلمة venire وتعني «يذهب»!

(٥) أو أن كلمة nice كان ينبغي أن تكون لفظة ازدراءٍ وقدحٍ؛ لأنها مشتقةٌ من كلمةٍ فرنسية قديمة تعود إلى القرن الثالث عشر وتعني «أحمق» أو «غبي»!

إنما يُعَوِّل مستخدمو اللغة على السياق لاستشفاف المعنى المقصود للكلمة، (١) ولا يفكرون كثيرًا في «التأثيل» etymology؛ أيْ ردِّ الكلمة إلى أصلها التاريخي، والذي قد لا يكون واضحًا على الإطلاق وبخاصةً إذا كان مؤسَّسًا على لغةٍ أجنبية أو لغةٍ قديمةٍ بائدة.

تتناسى مغالطة التأثيل أن اللغة ليست كيانًا كلسيًّا ثابتًا، وأن هناك تغيراتٍ كثيرةً تعتري اللغة، منها التغير الصوتي، والتغير النحوي، والتغير الدلالي (وهو ما يعنينا في هذا المقام)، وللتغير الدلالي semantic change أنواع عديدة منها ما يعرف ب «الانحدار الدلالي» semantic deterioration وهو تغير يلحق بمعنى اللفظة فيُكسبها دلالةً سلبية، مثال ذلك ما حدث لكلمة notorious التي كانت في الأصل تعني «مشهور» ثم انحدرت دلالتُها وصارت تعني «مُشَهر» أي مشهور بشيءٍ قبيح، وكلمة dogmatic التي كانت تعني «موقن» أو «راسخ الاعتقاد» وصارت الآن تعني «جازم متصلب غير عقلاني في اعتقاده»، وتقابل ظاهرة الانحدار الدلالي ظاهرة «التحسن الدلالي» amelioration حيث تكتسب اللفظة دلالة إيجابية أو يزايلها ما كان لها في الأصل من دلالةٍ سلبية، مثال ذلك كلمة minister (وزير) فقد كانت قديمًا تعني «خادم» (وما تزال تُستعمَل كفعلٍ


(١) أو يرجعون إلى التعريف الصريح لرفع الالتباس، انظر تفصيل ذلك في «مغالطة الالتباس» fallacy of ambiguity.

<<  <   >  >>