للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمعنى يسعِف أو يعين أو يقدم خدمة)، وكلمة nice سالفة الذكر، والتي كانت تعني قديمًا «غبي» أو «أحمق»، وهناك أمثلةٌ أخرى يخطئها الحصر.

تعود تسمية هذه المغالطة (etymological fallacy) إلى جون ليونز John Lyons، ويعني بها خطأ التأثيليين حين يحاجون بأن كلمة ما تعود إلى أصل يوناني أو لاتيني أو عربي … إلخ؛ ولذا فإن معناها ينبغي أن يكون مطابقًا لما كانت عليه في الأصل، ويبدو زيف هذه الحجة في أن الافتراض الضمني بوجود «صلة حقيقية» أو «مُناسَبة» في الأصل بين المبنى والمعنى، وهو ما تستند إليه هذه الحُجة، هو شيء لا يمكن التحقق منه. (١)

لقد كانت المسألة الهامة التي أثارها الإغريق، والتي تركت بصماتها على الدراسات اللغوية اللاحقة حتى عصرنا الحاضر، تتعلق بطبيعة اللغة ونشأتها، فقد رأى بعضهم أن اللغة ظاهرة طبيعية، وأن الكلمات وأصواتها جزء لا يتجزأ من المعنى، بينما رأى الفريق الآخر، ومنهم أرسطو، أن اللغة ظاهرة اجتماعية وأن أصواتها رموز اصطلاحية ليس لها بالمعاني علاقة طبيعية أو مباشرة، وقد نشأت عن هذا الاختلاف النظريتان المعروفتان: النظرية التوقيفية والنظرية الاصطلاحية (أو التواضعية)، واللتان امتد الجدل فيهما حتى العصر الحاضر، وقد نشأ عن النظرية الأولى نظريات متعددة عن أصل اللغات جميعًا منها: أن اللغة «توقيف» ووحي من الله، ومنها أن أصل اللغات جميعًا يرجع إلى محاكاة أصوات الطبيعة أو أصوات الحيوانات إلى آخره، ووصل الأمر بالبعض إلى أن يقول إن للصوت بحد ذاته قيمة تعبيرية. (٢)

وقد تأثر العرب بكلتا المدرستين، واتخذ بعضهم، مثل ابن فارس في القرن الرابع الهجري، موقف المدافع عن النظرية التوقيفية، واتخذ آخرون، مثل ابن جِنِّي (في بعض فقرات «الخصائص» دون بعضها الآخر)، النظرية الاصطلاحية، يقول ابن جني «إن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضعٌ واصطلاح، لا وحيٌ وتوقيف.» كان ابن فارس يستشهد في نظريته التوقيفية بالآية الكريمة {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، أما


(١) John Lyons: Language and Linguistics، An Introduction، Cambridge University Press، ١٩٨١، p. ٥٥.
(٢) د. نايف خرما: «أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة» عالم المعرفة، الكويت، عدد رقم ٩، سبتمبر ١٩٧٨، ص ٩٦.

<<  <   >  >>