إذا عدنا تاريخيًّا إلى المعلم الأول، أرسطو، نجده يتناول المصادرة على المطلوب تناولًا مزدوجًا:
في «التحليلات (الأنالوطيقا) الأولى» يتناول المصادرة على المطلوب في ضوء قوله المأثور بأن البرهان يمضي مما هو أكثر يقينًا أو أوثق معرفةً: فإذا حاول المرء أن يثبت ما هو غير واضح بذاته عن طريق افتراضه والتسليم به بادئ ذي بدء، فإنه بذلك يصادر على المطلوب الأول، أو يُسِلِّم بالمسألة الأصلية، إنه يفترض ما ينبغي عليه إثباته، يُعَد هذا توصيفًا إبستيميًّا للمغالطة: فأن تُصادر على المطلوب هو أن تنتهك المبدأ الإبستيمي القائل بالأولوية المعرفية للمقدمات فوق النتيجة في أيِّ برهان من البراهين.
غير أن أرسطو في «الطوبيقا»(المواضع الجدلية) يتناول المصادرة على المطلوب من حيث هي واردة في نزاع جدلي بين طرفين أو خصمين: تقع المصادرة على المطلوب عندما يطلب صاحب دعوى ما «ق» إلى خصمه المعارِض أن يُسلِّم ب «ق» إلى خصمه المعارِض أن يُسلِّم ب «ق» كمقدمةٍ عليه قبولها، ويُعَدُّ هذا توصيفًا جدليًّا للمغالطة.
يُقدِّم أرسطو خمس طرق يمكن للحجة بها أن تصادر على المطلوب، ويتفاوت تناوله للمغالطة بعض الشيء بحسب السياق الذي يتناول فيه المغالطة: السياق الإبستيمي (في تناوله للبرهان على سبيل المثال) أو السياق الجدلي (كما في الطوبيقا).
ربما يكون ذلك هو الخيط الذي يمكن أن يوصلنا إلى فهم اللغز: متى تكون الحجة الدائرية خطأ منطقيًّا؟ يبدو أن هناك عاملًا إضافيًّا يحسم أمر الحجة الدائرية ويحدد نصيبها من الصواب المنطقي: ذلك هو «السياق» context، ونعني به السياق الجدلي الذي تنسلك فيه الحجة، أو سياق الجدل القائم بين متحاورَين لكلٍّ منهم التزاماته الاعتقادية الخاصة.
من هنا يجب أن نميز بين «الدلالة»(السيمانطيقا) و «التداولية»(البراجماطيقا) في المنطق، مثلما ميَّز أرسطو قديمًا بين السياق الإبستيمي والسياق الجدلي، تُعرَّف «السيمانطيقا» Semantics أو علم دلالة الألفاظ، أو المعاني، بأنها الدراسة التي تتناول علاقة العلامات اللغوية بالعالم الواقع خارج اللغة extra-linguistic world،