لا رأيَ للناس في نفعٍ ولا ضررٍ … وما لهم قطُّ من حُكمٍ وتقدير
العقاد
***
تتضمن هذه المغالطة الاحتكامَ إلى الناس بدلًا من الاحتكام إلى العقل (أو على حساب العقل)، ومحاولة انتزاع التصديق على فكرة معينة بإثارة مشاعر الحشود وعواطفهم بدلًا من تقديم حجة منطقية صائبة، تكاد هذه الطريقة أن تكون أداةً من أدوات عمل رجال الدعاية والإعلان، والديماجوجيين من الساسة ورجال الأحزاب والدعاية الانتخابية، فإذا كان «الجميع يعتقد ذلك» أو «الكل يفعل ذلك» أو «استطلاعات الرأي تُشير إلى ذلك» فلا بُدَّ من أن يكون «ذلك» صحيحًا!
غير أن التاريخ يُعلِّمنا أن أفكار الكثرة واعتقاداتهم كثيرًا ما تَبَيَّن خطؤها الذريع وبطلانها التام، وقد تكرر ذلك وتواتر بما يكفي لدعم قاعدةٍ تفيد أن قبول الحشود من البشر لقضيةٍ معينةٍ على أنها حق لا يقدم ضمانًا عقليًّا بأنها كذلك، وقد كان يَسَع المرءَ أن يمضي إلى نهاية الشوط فيقول: إنَّ التاريخ ربما يعلمنا، على العكس، أن اعتقاد الجموع بشيءٍ ما يُرَجِّح بطلان هذا الشيء، لولا أن هذه الطريقة ما هي إلا الوجهُ الآخر لذات المغالطة.
ذلك أن «الاعتقاد» غير «البيِّنة»، وأن اتساع نطاق الاعتقاد بقضيةٍ ما هو أمرٌ غيرُ ذي صلة بصدق القضية ذاتها أو كذبها، إنما يتحدد ذلك بالوسائل العقلانية الخاصة التي تستخدم الأدلة والمعلومات الصحيحة التي يمكن أن تُستمد منها النتائج بطريقة منطقية. يعود رواج هذه المغالطة وانتشارها إلى ميل الكائنات البشرية إلى أن تسلك مَسلَكَ الخِراف، فتنضوي معًا حول المريح والمألوف والسائد، ويروقها الانقيادُ والائتلاف ومجاراة القطيع في وجهته.
في عمق الروح الإنسانية التي أُلقِي بها في حومَة الوجود على غير اختيارٍ منها تقبع حاجةٌ إلى الاتصال بآخرين من صِنوِها، حاجةٌ تبلغ من الإلحاح والشدة مَبلَغًا يضطر الناس إلى أن تُسْلِم ضميرها وبصيرتها لطغيان ثقافتها الجاهزة وتقاليدها الموروثة، حتى لو كانت تلك ثقافةً جاهلةً وتقاليدَ حمقاء، وقليلٌ هم الأفرادُ الذين يمكنُهم أن