يأتمروا بأوامر عقولهم الخاصة ويهتدوا بهدي بصائرهم الشخصية حتى عندما تكون تلك مُغايِرةً للشائع ومُخالِفة للمألوف.
في مسرحية شكسبير «يوليوس قيصر» يَعمِد مارك أنطونيو، في خطبة الجنازة المشهورة، إلى استثارة انفعالات الجمهور، ولا يفوته أيضًا أن يُهيب بمصالحهم الشخصية، لقد كانت القضيةُ التي استُدعِيَ الملأ لمواجهتها هي:(١) هل كان قيصر مذنبًا بالتآمر للإطاحة بالجمهورية وتنصيب نفسه ملكًا؟ (٢) هل ينبغي اتخاذ أي إجراء ضد قاتليه؟ لا تَعرِض خطبة أنطونيو لهذه القضية، وبدلًا من ذلك يعمِد أنطونيو إلى تذكير الرومانيين بأنهم كانوا يحبون قيصر ذات يوم:
كلكم أحببتموه ذات مرة، لا لغير سبب، … فأي شيء يمنعكم إذن أن تندبوه؟
ويؤكد لهم أنه، أنطونيو، ليس داهيةً وليس مفوَّهًا (وأنه من ثم جديرٌ بالتصديق).
فما أنا بالخطيب مثل بروتس، … لكني كما تعرفونني جميعًا رجلٌ غرٌّ صريح، … أحب صديقي، وهم إذ يعرفون ذلك حق المعرفة، … أذنوا لي على الملأ بالتحدث عنه.
غير أنه يبرع في إثارة عواطفهم ضد بروتس وشركائه ببلاغة اللغة وبلاغة الدم:
لاحظوا كيف تبعها دم قيصر، … كأنما اندفع يطل من الباب ليتأكد، … أهو بروتس الذي طرق هذه الطرقةَ المنكرة، أم سواه؟ … فلقد كان بروتس كما تعلمون ملاكَ قيصر .... اشهدوا أيها الآلهة بأي إعزازٍ أحبَّه قيصر! … هذه كانت أقسى الطعنات جميعًا … فإن قيصر النبيل لما رآه يطعن … كان الجحود، وهو أفتك من أسلحة الخونة، … هو الذي أجهز عليه! فعندما انصدع فؤاده الكبير ...... سقط قيصر العظيم …