للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل على سبيل التواضع، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمل (١) النبي - صلى الله عليه وسلم - أعين العرنيين (٢) بالحديد المحمي، وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها قاله النووي والأوزاعي (٣) وقال ابن المنير (٤)

وغيره: لا حجة فيما ذكر للجواز، لأن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة كما تقدم. وتجويز الصحابي معارَض بمنع صحابي آخر، وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى ذلك إذا تعين طريقا للظفر بالعدو، ومنهم من قيده بأن لا يكون معهم نساء ولا صبيان كما تقدم، وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم، وهو نسخ لأمره المتقدم (٥) سواء


(١) «أي فقأها بالشوك، وقيل: بحديدة محماة تدني من العين حتى يذهب ضوءها. وقيل: كحلهم بحديدة». يُنظر: [هدي الساري مقدمة فتح الباري، (١/ ١٤١)].
(٢) نسبة إلى (عُرَينة)، «بالعين والراء المهملتين والنون مُصغَّرًا: حي من قضاعة، وحي من بجيلة، والمراد هنا الثاني» ". [فتح الباري، (١/ ٣٣٧)].
(٣) هو: أبو عمرو، عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، الأوزاعي، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام، كان يسكن بمحلة الأوزاع، وهي العقيبة الصغيرة ظاهر باب الفراديس بدمشق، ثم تحول إلى بيروت مرابطا بها إلى أن مات. وكان مولده في حياة الصحابة. وكان خيّرًا، فاضلا، مأمونا كثير العلم والحديث والفقه، حجة. توفي سنة ١٥٧ هـ.
[يُنظر: الطبقات الكبرى، (٧/ ٤٨٨). و: سير أعلام النبلاء، (٧/ ١٠٧)].
(٤) هو: زين الدين، أبو الحسن، علي بن حمد بن المنير، الجذامي الإسكندري الأبياري، المالكي، الفقيه النظار المحدث المتفنن، أخذ عن أخيه ناصر الدين، وعن ابن الحاجب، له أهلية الترجيح والاجتهاد في المذهب، أخذ عنه جماعة منهم ابن أخيه عبد الواحد والعبدري، له شرح على البخاري في عدة أسفار، وحواش على شرح ابن بطال، وضياء المتلالي في تعقب الغزلي، توفي سنة ٦٩٥ هـ.

[يُنظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري (١/ ١٤). و: شجرة النور الزكية، (١/ ١٨٨)].
(٥) يعني حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْثٍ فَقَالَ: «إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ». ثُمَّ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ «إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا».
رواه البخاري في: (٤/ ٦١)، ك الجهاد، ب لَا يُعَذَّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ، رقم (٣٠١٦).

<<  <   >  >>