للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمُستحب هو ما فعله لا ما لم يفعله.

- ومن تطبيقات التعيير بالإجماع:

حكى ابن الجوزي في ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الخروج عن الأموال والتجرد عنها عن الحارث المحاسبي أنه قال: «أيها المَفتون متى زعمت أن جمع المال الحلال أعلى وأفضل من تركه فقد أزريت بمحمد والمرسلين، وزعمت أن محمدا لم ينصح الأمة إذ نهاهم عن جمع المال، وقد علم أن جمعه خير لهم» وأنه استدلَّ لهذا بقوله: «ولقد بلغني أنه لما توفي عبد الرحمن بن عوف (١) قال ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا نخاف على عبد الرحمن فيما ترك»، وأن أبا ذر - رضي الله عنه - أنكر على كعب إنكاره الخوف على عبد الرحمن قائلاً: «هيه يا ابن اليهودية تزعم أنه لا بأس بما ترك عبد الرحمن بن عوف، لقد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فقال: الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا» قال المحاسبي: «فهذا عبد الرحمن مع فضله يوقف في عرصة القيامة بسبب مال كسبه من حلال؛ للتعفف ولصنائع المعروف، فيمنع من السعي إلى الجنة مع فقراء المهاجرين، وصار يحبو في آثارهم حبوًا».

فاستدرك عليه ابن الجوزي بضعف ما استند إليه من الأثر، ثم قال: «ثم كيف تقول الصحابة - رضي الله عنهم - إنا نخاف على عبد الرحمن؟ أوليس الإجماع منعقدًا على إباحة جمع المال


(١) هو: أبو محمد، عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف، القرشي الزهري، وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن. أحد العشرة، وأحد الستة أهل الشورى، وأحد السابقين البدريين، وهو أحد الثمانية الذين بادروا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذي أسلموا على يد أبي بكر، هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة، وشهد كل المشاهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. توفي سنة ٣٢ هـ.
[يُنظر: أسد الغابة، (٥/ ١٩٨). و: سير أعلام النبلاء، (١/ ٦٨)].

<<  <   >  >>