للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- إصلاحُ نصوص المدونات، وتحقيق عزو الروايات، وعرض ما احتوته من الأقوال على الأصول والمقاصد لتقييمها قبولاً أو ردًّا.

ومن أمثلة ذلك صنعُ سحنون لما تلقى (الأسدية) عن أسد بن الفرات، فلاحظ فيها ضعف عزو رواياتها، واختلاط مسائلها، وعدم مقابلتها بأصول ابن القاسم التي سمعها من مالك، فرحل بـ (الأسدية) إلى ابن القاسم، فحقق نقولها، وعزو مسائلها (١).

ويبين ابن عاشور أثر السلوك النقدي والاستدراكي الذي سلكه اللخمي ومن تبعه في المذهب المالكي قائلاً: «وتكوّن بالإمام اللخمي الإمام أبو عبد الله المازري، فكان مع الحلبة التي عاصرته من الفقهاء الذين نستطيع أن نذكر منهم على سبيل المثال الواضح أربعة: وهم المازري وابن بشير وابن رشد الكبير والقاضي عياض. فهؤلاء هم الذين سلكوا طريقة جديدة في خدمة الحكم، هي الطريقة النقدية التي أسس منهجها أبو الحسن اللخمي، فصاروا في الفقه يتصرفون فيه تصرف تنقيح، وينتصبون في مختلف الأقوال انتصاب الحكم الذي يقضي بأن هذا مقبول وهذا ضعيف، وهذا غير مقبول، وهذا ضعيف السند في النقل، وهذا ضعيف النظر في الأصول، وهذا مغرق في النظر في الأصول، وهذا محرج للناس أو مشدد على الناس، إلى غير ذلك ... فكان المذهب المالكي قد تكوّن بهؤلاء تكوّنًا جديدًا، إذ دخل عليه عنصر النقد والتنقيح والاختيار، وأصبحت الأقوال في كل مسألة مصنفة تصنيفًا تقديريًّا، منها ما هو أولى ومنها ما هو راجح، ومنها ما هو أصح إلى غير ذلك» (٢).

وقد ميّزت كتب التنقيح والتحرير الروايات والفتاوى المعمول بها وغير المعمول بها، كتمييز الشافعية - مثلاً - بين مذهب الشافعي القديم والجديد، والضعيف والقوي من الآراء، والراجح والمرجوح، في حملة استدراكية نقّحتْ المدونات في الفقه الشافعي «فبعد ما يقرب من أربعة قرون (٢٠٤ هـ - ٦٠٤ هـ) على وفاة الإمام الشافعي - مؤسس المذهب - أصبحت مدونات فقه الشافعية كثيرة جدا، وقد أقام مصنفوها في بقاع


(١) مقدمة ابن خلدون، (١/ ٥٦٩).
(٢) محاضرات، (٧٣).

<<  <   >  >>