اعلم بأن المخاطِب بالفعل لا يخلو: إما أن يكون آمرًا بنفسه، أو ناقلًا الأمر عن غيره:
(أ) فإن كان ناقلًا عن غيره- نظر في الخطاب:
إن كان الخطاب يتناوله- يدخل تحت الأمر.
وإن كان لا يتناوله- لا يدخل تحته.
مثال الأول- قول الواحد لجماعة:"إن فلانًا يأمرنا بكذا"- يدخل هو في الخطاب، لأنه تناوله.
ومثال الثاني- أن يقول "إن فلانًا يأمركم بكذا"- لا يدخل هو تحت الأمر، لأن الخطاب لم يتناوله، إلا إذا نقل خطاب الله وخطاب الرسول، فحينئذ يدخل هو تحت الأمر، لأن الأصل أن خطاب الشرع يتناول كل مكلَّف، إلا ما استثنى بدليل.
(ب) وإن أمره بنفسه- بأن يقول:"افعلوا" لا يدخل هو تحت المر، لأن فائدة الأمر الاتفاق على إيجاب ما تناوله الأمر، وإرادة المأمور به كما قاله البعض، وهذا حاصل له قبل الأمر، فلا يتحقق فائدة الأمر.
فإن قيل: لو قال قائل لنفسه "افعلي"، وأراد الفعل، أيكون ذلك أمرًا أم لا؟ - قلنا: لا، لأن من شرائط الأمر: علو رتبة القائل على رتبة المقول له، وكونه استدعاء للفعل- وهذا لا يتصور في هذه الصورة.
فإن قيل: أليس أن المخبِر يدخل تحت الخبر؟ قلنا: إن عنيتم أنه يخبر عن نفسه، فهو جائز، لأن الإنسان قد يتعلق غرضه بالإخبار عن حال نفسه، كما يتعلق غرضه بالإخبار عن حال غيره. وإن عنيتم به أنه مخبر لنفسه، فهذا غير جائز، لأن الإنسان لا يخفى عليه حال نفسه، فلا يستفيد بهذا الإخبار شيئًا.