ذكر نفي شرط آخر، وما لا ذكر له في اللفظ لا يتعرض له الكلام، لا ينفي ولا بإثبات.
فإن قيل: الشرط مانع من ثبوت الحكم مع فقده، وإذا ثبت شرط ثانٍ يثبت الحكم مع وجوده عند فقد الأول، فلو كان الشرط مانعًا ثبوت الحكم مع فقده، لوجب أن يكون مانعًا من ثبوت ما يؤدى إلى ثبوت الحكم مع فقده- قلنا: الشرط مانع ثبوت الحكم مع فقده إذا كان هو الشرط وحده، أما إذا كان معه شرط آخر على الجمع، فقضيته انتفاء الحكم عند فقد كل واحد منهما، فتقرر كون كل واحد منهما شرطًا، ولا يثبت الحكم مع فقده أصلًا، ولو كان معه شرط آخر على البدل، فقضيته انتفاء الحكم عند فقدهما، وثبوت الحكم عند كل واحد منهما، فثبت أنه لا مناقضة بين قولنا الشرط مانع من ثبوت الحكم عند فقده وبين إقامة شرط آخر مقامه- والله أعلم.
[وأما الفصل الثاني: [التقييد بالغاية]]
اعلم أن الأمر المقيد بالغاية يدل على أن الحكم، فيما عدا الغاية، بخلافه. لأن الغاية ما يكون منهيًا للحكم الممدود إليه، وإذا انتهى الحكم الممدود إليه من كل وجه، ثبت خلافه ضرورة. لأنه لو كان الحكم الأول ثابتًا أو كان احتماله ثابتًا، لو قلنا بالتوقف، فلا يتحقق انتهاء الحكم مطلقًا، فيبطل كونه غاية- دل عليه أن قوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} معناه: صوموا صومًا غايته ونهايته الليل، لأن كلمة "إلى" موضوعة للغاية، ولو نص على ذلك علمنا أنه لا يجب الصوم بعد مجئ الليل، إذ لو وجب لخرج الليل من أن يكون غاية، ودخل في كونه وسطًا، إلا أنه لا يمنع قيام الدلالة على خلاف ظاهر الغاية، فيقتضي وجوب صيام قطعة من الليل، ويدلنا ذلك على أن الله تعالى إنما سمَّاه غاية مجازًا، لكونه قريبًا من الغاية. هـ.