فيثبت بما ذكرنا جواز الأسماء المشتركة، وورود اللغة بها.
إلا أنه مع هذا خلاف الأصل، أعني أنه على خلاف قضية الدليل المقتضي لوضع الكلام.
وبيانه -أن الغرض من وضع الكلام والأسامي إفهام ما وضع له. هذا معلوم بالضرورة. فالاسم إذا كان مشتركًا بين شيئين: إما أن يكون موضوعًا لكل واحد منهما على التعيين والانفراد، أو يكون موضوعًا لأحدهما غير عين، أو يكون موضوعًا لأحدهما عينًا دون الآخر، أو يكون موضوعًا لهما على الجمع فكانا جميعًا مسمى واحدًا لهذا الاسم: لا وجه إلى الثاني لأنه لا قائل به، فإن أحدًا لم يقل بأن المطلقة مأمورة بالاعتداد بالحيض أو الطهر غير عين، ولأنه لو كان كذلك لكان، إذا أرايد به أحدهما عينًا، مجازًا فيه، وليس كذلك. ولا وجه إلى الثالث، لأنه لا قائل به أيضًا، ولأنه لو كان كذلك لكان يفهم عند إطلاقه أحدهما عينًا، ولما جاز استعماله في كل واحد منهما في حالين إلا بطريق المجاز، والأمر بخلافه. ولا وجه إلى الرابع، لأنه لا قائل به أيضًا: فإن أحدًا لم يقل إن المطلقة مأمورة بالاعتداد بهما على الجمع، ولأنه لو كان كذلك لكان يسبق إلى الفهم عند إطلاقه كلاهما، ولما جاز استعماله في أحدهما إلا على طريق المجاز، والأمر بخلافه. وإذا بطلت هذه الأقسام ثبت أنه موضوع لكل واحد منهما على التعيين والانفراد. فقضية الوضع أن يفيد إفهام ما وضع له، وأنه لا يفيد إفهام أحدهما إلا بقرينة، وكان مخالفًا لقضية الأصل.
[٦ - باب في: إثبات الحقائق العرفية]
اعلم أن الحقيقة العرفية هي اللفظة المفيدة لمعناها، باصطلاح طارئ من أهل اللسان على ما مرَّ. وذلك نحو: اسم "الدابة"، فإنه في اللغة اسم لكل